في قول اللَّه تعالى:{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: ١٠٦] قال: مُحكمة مكان منسوخة، ورَوَى ابن كنانة مثل ذلك كله عن مالك.
واحتج هؤلاء بأن قالوا: إن الأفضل يشعر بنقص المفضول، والذاتية في الكل واحدة، وهي كلام اللَّه، وكلام اللَّه تعالى لا نقص فيه. قال البُسْتِيّ: ومعنى هذه اللفظة: "ما في التوراة، ولا في الإنجيل، مثل أم القرآن" أن اللَّه تعالى لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقارئ أم القرآن؛ إذ اللَّه بفضله فضّل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه، وهو فضل منه لهذه الأمة، قال: ومعنى قوله: "أعظم سورة" أراد به في الأجر، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض.
وقال قوم: بالتفضيل، وأن ما تضمنه قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)} [البقرة: ١٦٣] وآية الكرسي، وآخر سورة الحشر، وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته، وصفاته ليس موجودًا مثلًا في {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}[المسد: ١] وما كان مثلها، والتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها، لا من حيث الصفة، وهذا هو الحق.
وممن قال بالتفضيل إسحاق ابن راهويه، وغيره من العلماء، والمتكلمون، وهو اختيار القاضي أبي بكر ابن العربيّ، وابن الحصار؛ لحديث أبي سعيد بن المُعَلَّى، وحديث أبَيّ بن كعب -رضي اللَّه عنهما-.
قال ابن الحصار: عجبي ممن يذكر الاختلاف مع هذه النصوص، وقال ابن العربيّ: قوله: "ما أنزل اللَّه في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في القرآن مثلها" وسكت عن سائر الكتب، كالصحف المنزلة، والزبور وغيرها؛ لأن هذه المذكورة أفضلها، وإذا كان الشيء أفضل الأفضل صار أفضل الكلّ، كقولك: زيد أفضل العلماء، فهو أفضل الناس.
وفي الفاتحة من الصفات ما ليس في غيرها، حتى قيل: إن جميع القرآن فيها، وهي خمس وعشرون كلمة، تضمنت جميع علوم القرآن، ومن شرفها أن اللَّه عزَّ وجلَّ قسمها بينه وبين عبده، ولا تصح القُربة إلا بها، ولا يلحق عمل بثوابها، وبهذا المعنى صارت أم القرآن العظيم، كما صارت {قُلْ هُوَ اللَّهُ