للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هذا اللفظ وظاهره، فإن قَرْن الشيء أعلاه في اللغة، فيكون معناه على هذا أن الشيطان ينتصب قائمًا مع طلوع الشمس لمن يسجد؛ ليسجد له، ويُعْبَد بعبادتها، ويفعل هذا في الوقت الذي يَسجُد لها الكفّار، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشمس تطلُع، ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، ثم إذا قاربت الغروب قارنها، ثم إذا غربت فارقها" (١).

وقيل: القرن: الجماعة من الناس والأمة، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم … " الحديث (٢)، وعلى هذا فيكون معنى قرني الشيطان في الحديث أنهما أمتان عظيمتان يعبدون غير الله، ولعلهم في ذلك ربيعة ومضر المذكوران في الحديث، أو أمتان من الفرس يعبدون الشمس، ويسجدون لها من دون الله، كما جاء في الحديث: "وحينئذ يسجد لها الكفّار".

وقال الخطّابيّ: قرن الشيطان ضُرب به المثل فيما لا يُحمَد من الأمور.

وقيل: المراد بهذا الحديث ما ظهر بالعراق من الفتن العظيمة، والحروب الهائلة، كوقعة الجمَل، وحروب صفّين، وحروراء، وفِتَن بني أميّة، وخروج الخوارج، فإن ذلك كان أصله ومنبعه العراق، ومشرق نجد، وتلك مساكن ربيعة ومضر إذ ذاك، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ (٣).

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وقوله: "قرنا الشيطان" القرنان ناحيتا الرأس، وهو مثل ما تقول: يتحرّك بحركتهم، ويتسلّط كالمعين لهم، وهذا على تأويل الحربيّ في أن الشمس تطلُع بين قرني شيطان، وقد يكون القرنان ها هنا ربيعة ومضر، وأضافهما إلى الشيطان؛ لاتّباعهما له، ويكون القرن أيضًا هنا يعني الجماعة الناجمة، والفئة الطالعة، كما قال في الحديث الآخر: "هذا قرنٌ قد طلع" (٤): أي أصحاب بدعة حَدَثُوا.


(١) رواه مالك في "الموطأ" ١/ ٢١٩، والنسائيّ ١/ ٢٧٥.
(٢) متفق عليه.
(٣) "المفهم" ١/ ٢٣٨ - ٢٣٩.
(٤) هذا أثر موقوف على خبّاب بن الأرت - رضي الله عنه -، أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح =