للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فتُنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُرًا، وأسبغه ضُروعًا، وأمَدّه خواصر، ثم يأتي القوم، فيدعوهم، فيردُّون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون مُمْحِلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويَمُرّ بالْخَرِبة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جَزْلتين رَمْيَة الغَرَض، ثم يدعوه، فيُقبل ويتهلل وجهه، يضحك. . . " الحديث (١).

فهذه الأمور لا ينجو من الاغترار بها إلا من عصمه اللَّه تعالى، ووفّقه لقراءة هذه الآيات، اللهم اعصمنا من شرّ فتنبّه، وشرّ جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك سميع قريب مجيب الدعوات آمين.

(مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف) سيأتي اختلاف الرواة، هل هي من أولها، أو آخرها؟ وأن كونها من أولها هو الأرجح (عُصِمَ) بالبناء للمفعول، أي حُفظ، ووُقي (مِنَ الدَّجَّالِ) أي من شرّه، وفي نسخة: "من فتنة الدجّال".

قال النوويُّ: قيل: سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات، فمن تدبّرها لم يفتتن بالدجّال، وكذا في آخرها قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: ١٠٢].

وقال الطيبيُّ: ويُمكن أن يقال: إن أولئك الفتية كما عُصموا من ذلك الجبّار، كذلك يَعصم اللَّه تعالى القارئ من الجبّارين، قيل: ولا مانع من الجمع، واللام فيه للعهد، وهو الذي في آخر الزمان يدّعي الألوهيّة، ويَحْتَمِل أن يكون للجنس، فإن الدجّال من يَكْثُر منه الكذب والتلبيس، ومنه الحديث: "يكون في آخر الزمان دجّالون. . . " الحديث رواه مسلم، أي كذّابون مموّهون.

وقال السيوطيُّ في "حاشية أبي داود": قال القرطبيّ: اختَلَف المتأوّلون في سبب ذلك، فقيل: لِمَا في قصّة أصحاب الكهف من العجائب والآيات، فمن وَقَفَ عليها لم يَستغرب أمر الدجّال، ولم يَهِلْهُ ذلك، فلم يُفتن به.

وقيل: لقوله تعالى: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} [الكهف: ٢] تمسّكًا


(١) "صحيح مسلم" "كتاب الفتن وأشراط الساعة" رقم (٢٩٣٧).