للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقيل: فوّض الجواب أوّلًا، وأجاب ثانيًا؛ لأنه جوّز أن يكون حَدَثَ أفضلية شيء من الآيات غير التي كان يعلمها، فلما كَرّر عليه السؤال وأعاده بقوله: "يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب اللَّه تعالى معك أعظم؟ "، ظنّ أن مراده -صلى اللَّه عليه وسلم- طلب الإخبار عما عنده، فأخبره بقوله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}.

(أَعْظَمُ") قال إسحاق ابن راهويه وغيره: المعنى راجع إلى الثواب والأجر، أي أعظم ثوابًا وأجرًا، وهو المختار، كذا ذكره الطيبيّ (قَالَ) أُبيّ -رضي اللَّه عنه- (قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ "، قَالَ) أُبيّ -رضي اللَّه عنه- (قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}) إنما كانت آية الكرسيّ أعظم آية؛ لأنها مشتملة على أمهات المسائل الإلهيّة، فإنها دالّةٌ على أنه تعالى واحد في الالهيّة، متّصفٌ بالحياة، قائم بنفسه، مُقوِّمٌ لغيره، منزَّهٌ عن التحيّز والحلول، مبرّأٌ عن التغيّر والفتور، لا يناسب الأشباح، ولا يعتريه ما يَعتري الأرواح، مالك الملك والملكوت، مبدع الأصول والفروع، ذو البطش الشديد الذي لا يشفع عنده إلا من أذِنَ له، العالم وحده بالأشياء كلّها جليّها وخفيّها، كلّيّها وجزئيّها، واسع الملك والقدرة، ولا يؤوده شاقّ، ولا يشغله شأن، متعالي عما يُدركه وَهْم، عظيمٌ لا يُحيط به فهم (١).

(قَالَ) أُبيّ -رضي اللَّه عنه- (فَضَرَبَ) النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (فِي صَدْرِي) تعدية "ضَرَبَ" مع كونه متعدّيًا بنفسه بـ "في" نظير قوله تعالى: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} الآية [الأحقاف: ١٥]، أي أَوْقِعِ الصلاح فيهم حتى يكونوا محلًا له، كقول الشاعر:

يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبِهَا نَصْلِي

وفيه إشارة إلى امتلاء صدره علمًا وحكمة.

وإنما ضربه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صدره؛ إشارةً إلى انشراحه، وامتلائه علمًا وحكمةً، واللَّه تعالى أعلم.

(وَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: ("وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ) بلفظ أمر الغائب، بفتح حرف المضارعة، وسكون الهاء، وكسر النون، وفي بعض النسخ: "ليهنئك" بهمزة


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٦٤٣.