للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: سيأتي في المسألة التالية بحثٌ نفيسٌ في هذا الموضوع لشيخ الإسلام ابن تيميّةُ -إن شاء اللَّه تعالى- واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما حاصله: اختَلَف العلماء، هل يتفاضل القرآن في نفسه، فيكون بعضه أفضل من بعض؟ على قولين:

(القول الأول): أنه لا يتفاضل في نفسه؛ لأن كلّه كلام اللَّه، وكلام اللَّه صفة له، قالوا: وصفة اللَّه لا تتفاضل، لا سيما مع القول بأنه قديم، فإن القديم لا يتفاضل، كذلك قال هؤلاء في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦]، قالوا: فخير إنما يعود إلى غير الآية، مثل نفع العباد وثوابهم.

و (القول الثاني): أن بعض القرآن أفضل من بعض، وهذا قول الأكثرين من الخلف والسلف، فإن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في الحديث الصحيح في الفاتحة: "إنه لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا الزبور، ولا القرآن مثلها"، فنفى أن يكون لها مثلٌ، فكيف يجوز أن يقال: إنه متماثل؟ وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال لأبي بن كعب -رضي اللَّه عنه-: "يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية في كتاب اللَّه أعظم؟ " قال: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، فضرب بيده في صدره، وقال له: "ليهنك العلم أبا المنذر"، فقد بَيَّن أن هذه الآية أعظم آية في القرآن، وهذا بَيِّنٌ أن بعض الآيات أعظم من بعض.

وأيضًا فإن القرآن كلام اللَّه، والكلام يَشْرُف بالمتكلِّم به، سواء كان خبرًا أو أمرًا، فالخبر يشرف بشرف المخبِر، وبشرف المخبَر عنه، والأمر يشرف بشرف الآمر، وبشرف المأمور به، فالقرآن وإن كان كله مشتركًا، فإن اللَّه تكلم به، لكن منه ما أخبر اللَّه به عن نفسه، ومنه ما أخبر به عن خلقه، ومنه ما أمرهم به، فمنه ما أمرهم فيه بالإيمان، ونهاهم فيه عن الشرك، ومنه ما أمرهم به بكتابة الدين، ونهاهم فيه عن الربا، ومعلوم أن ما أخبر به عن نفسه كـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} وأعظم مما أخبر به عن خلقه، {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}، وما أمر فيه بالإيمان، وما نهى فيه عن الشرك، أعظم مما أمر فيه بكتابة الدَّين،