تكون {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} تعدل ثلث القرآن، لما فيها من التوحيد الذي هو ثلث معاني القرآن.
بقي أن يقال: فإذا كانت تعدل ثلث القرآن مع قلة حروفها، كان للرجل أن يكتفي بها عن سائر القرآن.
فيقال في جواب ذلك: إن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"إنها تعدل ثلث القرآن"، وعَدْلُ الشيء بالفتح يقال على ما ليس من جنسه، كما قال تعالى:{أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}، فجعل الصيام عَدْل كفارة، وهما جنسان، ولا ريب أن الثواب أنواع مختلفة في الجنة، فإن كل ما يَنتفع به العبدُ ويَلتذُّ به من مأكول ومشروب ومنكوح ومشموم هو من الثواب، وأعلاه النظر إلى وجه اللَّه تعالى، وإذا كانت أحوال الدنيا لاختلاف منافعها يُحتاج إليها كلِّها، وإن كان بعضها يَعْدِل ما هو أكبر منه في الصورة، كما أن ألف دينار تعدل من الفضة والطعام والثياب وغير ذلك ما هو أكبر منها، ثم مَن مَلَك الذهب فقد ملك ما يعدل مقدار ألف دينار من ذلك، وإن كان لا يستغني بذلك عن سائر أنواع المال التي ينتفع بها؛ لأن المساواة وقعت في القدر، لا في النوع والصفة، فكذلك ثواب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)}، وإن كان يعدل ثواب ثلث القرآن في القدر، فلا يجب أن يكون مثله في النوع والصفة، وأما سائر القرآن ففيه من الأمر والنهي والوعد والوعيد ما يَحتاج إليه العبادُ، فلهذا كان الناس محتاجين لسائر القرآن ومنتفعين به منفعة لا تغني عنها هذه السورة، وإن كانت تعدل ثلث القرآن. انتهى كلام شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ: قد ثبت عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قوله:" {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} تعدل ثلث القرآن"، ونحن نقول بما ثبت عنه، ولا نَعْدُوه، ونَكِل ما جَهِلنا من معناه إليه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبه عَلِمنا ما عَلِمنا، وهو الْمُبِّين عن اللَّه مراده، والقرآن عندنا مع هذا كله كلام اللَّه، وصفة من صفاته، ليس بمخلوق،