ما ورد فيه مثل ذلك من السور والآيات، بل ينبغي أن يُحْمَل ما ورد تفضيله على أنه فاضل على ما عدا ما قد وقع تفضيله بدليل آخر، فالتفضيل من هذه الحيثية إضافيّ لا حقيقيّ، وهذا جمع حسنٌ، فإن مَنَعَ مانع من ذلك فالمرجع الترجيح بين الأدلة القاضية بالتفضيل. انتهى (١).
٢ - (ومنها): أن فيه دليلًا واضحًا على كون هاتين السورتين من القرآن، وسيأتي تحقيق الخلاف في المسألة التالية -إن شاء اللَّه تعالى-.
٣ - (ومنها): أن لفظة "قل" من القرآن ثابتة في أول السورتين بعد البسملة، وقد أجمعت الأمة على ذلك، كما قاله النوويُّ.
وقال الإمام ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: [فإن قلت]: فكيف جاء امتثال هذا الأمر بلفظ الأمر، والمأمور به، فقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)}، ومعلوم أنه إذا قيل: قل: الحمد للَّه، وقل: سبحان اللَّه، فإن امتثاله أن يقول: الحمد للَّه، وسبحان اللَّه، ولا يقول: قل: سبحان اللَّه؟.
[قلت]: هذا هو السؤال الذي أورده أُبَيّ بن كعب -رضي اللَّه عنه- على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعينه، وأجابه عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال البخاريّ في "صحيحه": حدّثنا قتيبة، ثنا سفيان، عن عاصم، وعبدة، عن زِرّ، قال: سألت أُبيّ بن كعب عن المعوذتين، فقال: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال:"قيل لي، فقلت"، فنحن نقول كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: حدّثنا علي بن عبد اللَّه، ثنا سفيان، ثنا عبدة بن أبي لبابة، عن زِرّ بن حُبيش، وحدّثنا عاصم، عن زِرّ قال: سألت أُبيّ بن كعب، قلت: أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال: إني سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال:"قيل لي، فقلت: قل"، فنحن نقول كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
قال ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: مفعول القول محذوف، وتقديره قيل لي: قل، أو قيل لي هذا اللفظ، فقلت كما قيل لي، وتحت هذا السرّ أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس له في القرآن إلا بلاغه، لا أنه هو أنشأه من قِبَلِ نفسه، بل هو المبلغ له عن اللَّه، وقد قال اللَّه له: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)}، فكان يقتضي البلاغُ التامُّ أن