والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يُقبل، بل الرواية صحيحة، والتأويل مُحْتَمِل، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر، فهو مخدوش، وإن أراد استقراره فهو مقبول.
وقد قال ابن الصباغ في الكلام على مانعي الزكاة: وإنما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة، ولم يقل: إنهم كفروا بذلك، وإنما لم يكفروا لأن الإجماع لم يكن استقر، قال: ونحن الآن نكفر من جحدها، قال: وكذلك ما نقل عن ابن مسعود في المعوذتين، يعني أنه لم يثبت عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك.
وقد استَشْكَل هذا الموضع الفخر الرازيّ، فقال: إن قلنا: إن كونهما من القرآن كان متواترًا في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرهما، وإن قلنا: إن كونهما من القرآن كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود لزم أن بعض القرآن لم يتواتر، قال: وهذه عُقْدة صعبة.
وأجيب باحتمال أنه كان متواترًا في عصر ابن مسعود، لكن لم يتواتر عند ابن مسعود، فانحلت العُقْدة بعون اللَّه تعالى. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو كلام نفيس، وبحث أنيسٌ، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): قد ذكر الإمام ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ- بحثًا نفيسًا يتعلّق بحديث الباب، أحببت إيراده لغزارة فوائده، ونفاسة عوائده، قال -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد أن ذكر بعض الأحاديث الواردة في هاتين السورتين ما نصّه:
والمقصود الكلام على هاتين السورتين، وبيان عظيم منفعتهما، وشدة الحاجة، بل الضرورةِ إليهما، وأنه لا يَستغني عنهما أحد قط، وأن لهما تأثيرًا خاصًّا في دفع السحر، والعين، وسائر الشرور، وأن حاجة العبد إلى الاستعاذة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى النَّفَس والطعام والشراب واللباس.
فنقول -واللَّه المستعان-: قد اشتملت السورتان على ثلاثة أصول، وهي أصول الاستعاذة: أحدها: نفس الاستعاذة، والثانية المستعاذ به، والثالثة المستعاذ منه، فبمعرفة ذلك تُعْرَف شدة الحاجة والضرورة إلى هاتين السورتين،