تقصر عن وصف ذلك، ولا يُدرك إلا بالاتصاف بذلك، لا بمجرد الصفة والخبر، كما أنك إذا وصفت لذة الوقاع لِعِنِّين لم تُخْلَق له شهوة أصلًا، فلو قرّبتها وشبّهتها بما عساك أن تشبهها به، لم تحصل حقيقة معرفتها في قلبه، فإذا وصفتها لمن خُلِقت فيه، ورُكِّبت فيه عَرَفها بالوجود والذوق.
وأصل هذا الفعل أَعْوُذُ بتسكين العين، وضم الواو، ثم أُعل بنقل حركة الواو إلى العين، وتسكين الواو، فقالوا: أعوذ على أصل هذا الباب، ثم طردوا إعلاله، فقالوا في اسم الفاعل: عائذٌ، وأصله عاوِذٌ، فوقعت الواو بعد ألف فاعلٍ، فقلبوها همزة، كما قالوا: قائم وخائف، وقالوا في المصدر: عياذًا باللَّه، وأصله عِوَاذًا كَلِوَاذًا، فقلبوا الواو ياء؛ لكسرة ما قبلها، ولم تَحْصُنها حركتها؛ لأنها قد ضَعُفَتْ بإعلالها في الفعل، وقالوا: مستعيذٌ، وأصله مُستَعْوِذٌ، كمستخرج، فنقلوا كسرة الواو إلى العين قبلها، ثم قلبت الواو قبلها كسرة، فقلبت ياءً على أصل الباب.
[فإن قلت]: فَلِمَ دخلت السين والتاء في الأمر من هذا الفعل، كقوله {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}، ولم تدخل في الماضي والمضارع، بل الأكثر أن يقال: أعوذ باللَّه، وعُذْت باللَّه، دون أستعيذ، واستعذت؟.
[قلت]: السين والتاء دالّة على الطلب، فقوله: أستعيذ باللَّه، أي أطلب العياذ به، كما إذا قلت: أستخير اللَّه، أي أطلب خيرته، وأستغفره، أي أطلب مغفرته، وأستقيله، أي أطلب إقالته، فدخلت في الفعل إيذانًا لطلب هذا المعنى من المعاذ، فإذا قال المأمور: أعوذ باللَّه، فقد امتثل ما طُلب منه؛ لأنه طُلب منه الالتجاء والاعتصام، وفرق بين نفس الالتجاء والاعتصام، وبين طلب ذلك، فلما كان المستعيذ هاربًا ملتجئًا معتصمًا باللَّه، أَتَى بالفعل الدالّ على ذلك، دون الفعل الدالّ على طلب ذلك، فتأمله.
وهذا بخلاف ما إذا قيل: استَغْفِرِ اللَّهَ، فقال: أستغفر اللَّه، فإنه طُلِب منه أن يطلب المغفرة من اللَّه، فإذا قال: أستغفر اللَّه كان ممتثلًا؛ لأن المعنى أطلب من اللَّه تعالى أن يغفر لي.
وحيث أراد هذا المعنى في الاستعاذة فلا ضير أن يأتي بالسين، فيقول: أستعيذ باللَّه تعالى، أي أطلب منه أن يعيذني، ولكن هذا معنًى غيرُ نفس