للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فما حُفظت نعمة اللَّه بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شكره، ولا زالت عن العبد بمثل معصيته لربه، فإنها نار النِّعَم التي تَعْمَل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس.

ومن سافر بفكره في أحوال العالم، استغنى عن تعريف غيره له، والمقصود أن هذه الأسباب شرور ولا بدّ وأما كون مسبباتها شرورًا، فلأنها آلام نفسية وبدنية، فيجتمع على صاحبها مع شدة الألم الحسيّ ألم الروح بالهموم والغموم والأحزان والحسرات.

ولو تفطن العاقل اللبيب لهذا حقَّ التفطن لأعطاه حقّه من الحذر والجدّ في الهرب، ولكن قد ضُرِب على قلبه حجاب الغفلة؛ ليقضي اللَّه أمرًا كان مفعولًا، فلو تيقظ حقّ التيقظ لتقطعت نفسه في الدنيا حسرات على ما فاته من حظه العاجل والآجل من اللَّه تعالى، وإنما يظهر له هذا حقيقة الظهور عند مفارقة هذا العالم، والإشراف والاطلاع على عالم البقاء، فحينئذ يقول: {يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: ٢٤]، و {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٦].

مَدارُ المستعاذات على الآلام وأسبابها:

ولما كان الشرّ هو الآلام وأسبابها كانت استعاذات النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جميعها مدارها على هذين الأصلين، فكلُّ ما استعاذ منه، أو أمر بالاستعاذة منه، فهو إما مؤلم، وإما سبب يفضي إليه، فكان يتعوذ في آخر الصلاة من أربع، وأمر بالاستعاذة منهنّ، وهي عذاب القبر، وعذاب النار، فهذان أعظم المؤلمات، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، رواه البخاريّ، ومسلم، والنسائيّ.

وهذان سبب العذاب المؤلم، فالفتنة سبب العذاب، وذكر الفتنة خصوصًا وعمومًا، وذكر نوعي الفتنة؛ لأنها إما في الحياة، وإما بعد الموت، ففتنة الحياة قد يتراخى عنها العذاب مدةً، وأما فتنة الموت فيتصل بها العذاب من غير تراخ، فعادت الاستعاذة إلى الألم والعذاب وأسبابها، وهذا من آكد