للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[فإن قلت]: الحسد موجود في الحاسد، لا في اثنتين، فما معنى هذا الكلام؟.

[أجيب]: بأن المعنى لا حسد للرجل إلا في شأن اثنتين، لا يقال: قد يكون الحسد في غيرهما، فكيف يصحّ الحصر؛ لأنا نقول: المراد لا حسد جائزٌ في شيء من الأشياء إلَّا في اثنتين، أو المعنى: لا رُخْصَة في الحسد في شيء إلَّا في اثنتين.

[فإن قلت]: ما في هذين الاثنين غِبْطَة، وهو غير الحسد، فكيف يقال: لا حسد؟.

[أجيب]: بأنه أَطْلَق الحسد، وأراد الغبطة، من قبيل إطلاق اسم المسبب على السبب.

وقال الخطابيُّ: معنى الحسد ههنا شِدّة الحرص والرغبة، كَنَى بالحسد عنهما؛ لأنهما سببه، والداعي إليه، ولهذا سماه البخاريّ اغتباطًا، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث ما يُبَيِّن ذلك، فقال فيه: "ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعَمِلت مثل ما يعمل"، ذكره البخاري في "كتاب فضائل القرآن" في "باب اغتباط صاحب القرآن"، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، فلم يَتَمَنّ السلب، وإنما تمنى أن يكون مثله، وقد تمنى ذلك الصالحون والأخيار.

وفيه قول بأنه تخصيص لإباحة نوع من الحسد، وإخراج له عن جملة ما حُظِر منه، كما رُخِّص في نوع من الكذب، وإن كانت جملته محظورة، فالمعنى: لا إباحة في شيء من الحسد، إلَّا فيما كان هذا سبيله، أي لا حسد محمودٌ إلَّا هذا.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا رأي ضعيف، يظهر ضعفه بالتأمّل في سياق طُرُق الحديث، فإنه واضح في كون المراد الغبطة، لا الحسد المذموم، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

وقيل: إنه استثناء منقطع بمعنى: لكن في اثنتين.

وقال الكرمانيّ: ويَحْتَمِل أن يكون من قبيل قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: ٥٦] أي لا حسد إلَّا في هذين الاثنين، وفيهما لا حسد أيضًا، فلا حسد أصلًا.