للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتعقّبه العينيّ، فقال: المعنى في الآية: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوقع قوله: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} موقع ذلك؛ لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل، فإنهم يذوقونها في المستقبل، ولا يتأتى هذا المعنى في قوله: "لا حسد إلا في اثنين"، فكيف يكون من قبيل الآية المذكورة؟ وفي الآية جميع الموت منفيّ بخلاف الحسد، فإن جميعه ليس بمنفيّ، فإن الحسد في الخيرات ممدوحٌ، ولهذا نُكِّر الحاسد في قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (٥)} [الفلق: ٥]؛ لأن كل حاسد لا يضرّ، قال أبو تمام:

وَمَا حَاسِدٌ فِي الْمَكْرُمَاتِ بِحَاسِدٍ

وكذلك نُكّر الغاسق؛ لأن كل غاسق لا يكون فيه الشرّ، وإنما يكون في بعض دون بعض، بخلاف النفاثات، فإنه عُرِّف؛ لأن كل نفاثة شريرةٌ. انتهى (١).

(رَجُلٌ) تقدّم أنه يجوز فيه أوجه الإعراب الثلاثة (آتَاهُ اللَّهُ) بالمدّ في أوله: أي أعطاه اللَّه من الإيتاء، وهو الإعطاء (مَالًا) قال في "العمدة": إنما نَكّره، وعَرَّف الحكمة؛ لأن المراد من الحكمة معرفة الأشياء التي جاء الشرع بها، يعني الشريعة، فأراد التعريف بلام العهد، أو المراد منه القرآن، كما سيأتي، فاللام للعهد أيضًا، بخلاف المال، فلهذا دخل صاحبه بأيّ قدر من المال أهلكه في الحقّ تحت هذا الحكم. انتهى.

(فَسَلَّطَهُ) عَبَّر بالتسليط؛ لدلالته على قهر النفس المجبولة على الشحّ (٢). (عَلَى هَلَكَتِهِ) بفتح اللام والكاف: أي إهلاكه، وعَبَّر بذلك؛ ليدل على أنه لا يُبقي منه شيئًا، وكَمَّله بقوله: (فِي الْحَقِّ) أي في الطاعات؛ ليزيل عنه إيهام الإسراف المذموم، قاله في "الفتح" (٣).

(وَرَجُلٌ) عطف على "رجل" الأول، وإعرابه في الأوجه كإعرابه (آتَاهُ اللَّهُ


(١) "عمدة القاري" ٢/ ٨٦ - ٨٧.
(٢) "الفتح" ١/ ١٦٦.
(٣) "الفتح" ١/ ١٦٦.