حِكْمَةً) هكذا في رواية المصنّف بالتنكير، وعند البخاريّ "الحكمة" بالتعريف، قال في "الفتح": قوله: "الحكمة" اللام للعهد؛ لأن المراد بها القرآن، على ما أشرنا إليه قبلُ، وقيل: المراد بالحكمة كلُّ ما مَنَعَ من الجهل، وزَجَرَ عن القبيح.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: كون المراد بالحكمة القرآنَ هو الأرجح؛ لأن حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنه- الماضي، أوضح ذلك، حيث قال:"رجل آتاه اللَّه القرآن، فهو يقوم به. . . "، واللَّه تعالى أعلم.
(فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا") قال النوويّ: معناه: يَعمل بها، ويُعلّمها؛ احتسابًا. انتهى.
وقال الطيبيُّ: قوله: "فسَلَّطَهُ على هلكته"، في هذه العبارة مبالغتان: إحداهما التسليط، فإنه يدلّ على الغلبة، وقهر النفس المجبولة على الشحّ البالغ، والأخرى قوله: "على هلكته"، فإنه يدلّ على أنه لا يُبقي من المال شيئًا، فلما أوهم القرينتان الإسراف والتبذير المقول فيهما: لا خير في السرف، كمّله بقوله: "في الحقّ" كما قيل: لا سرف في الخير.
وكذا القرينة الأخرى اشتَمَلَت على مبالغات: إحداها: الحكمة، فإنها تدلّ على علم دقيتي مع إتقان في العمل، وثانيتها: القضاء بين الناس، وهي مرتبة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وثالثتها: التعليم، وهي أيضًا من مرتبة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال اللَّه تعالى:{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} الآية [الجمعة: ٢].
وقال أيضًا: الحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يُحسن دقائق الصناعات ويُتقنها: حكيمٌ.
قال: وهذا الحديث على ما تقرّر شاهد صدقٍ على وجوب أداء لفظ الحديث من غير إبدال؛ إذ لو وُضع مكان "لا حسد" لا غبطة، ومكان "سُلِّط" ملك، وغيرهما، وأُبدلت الحكمة بالعلم، وهلُمّ جرّا لفاتت تلك الفوائد المقصودة. انتهى كلام الطيبيُّ (١).
وقال في "العمدة": ثم إن لفظ الحكمة إشارة إلى الكمال العلمي،