في رواية البخاريّ لما قاله له هشام -رضي اللَّه عنه-: أقرأنيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: كذبت، أي أخطأت وهو لغة أهل الحجاز؛ فإنهم يُطلقون الكذب في موضع الخطأ، أو أطلق عليه الكذب بناءً على غلبة ظنّه.
٧ - (ومنها): بيان سعة رحمة اللَّه تعالى وكرمه على عباده؛ إكرامًا لنبيّها -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث كانت رسالته رحمة للعالمين، كما قاله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧]، فقد وسّع عليهم قراءة كتابه الكريم، فأنزله على سبعة أحرف، حتى لا تتضايق على حرف واحد.
٨ - (ومنها): أنه استُدلّ بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فاقرءوا ما تيسّر منه" على جواز القراءة بكل ما ثبت من القرآن بالشروط التي تقدّمت، وهي شروط لا بدّ من اعتبارها، فمتى اختلّ شرط منها لم تكن تلك القراءة معتمدة.
وقد قرّر ذلك أبو شامة في "الوجيز" تقريرًا بالغًا، وقال: لا يُقطَع بالقراءة بأنها منزلة من عند اللَّه إلا إذا اتفقت الطرق عن ذلك الإمام الذي قام بإمامة المصر بالقراءة، وأجمع أهل عصره، ومن بعدهم على إمامته في ذلك، قال: أما إذا اختلفت الطرق عنه فلا، فلو اشتملت الآية الواحدة على قراءة مختلفة مع وجود الشرط المذكور جازت القراءة بها بشرط أن لا يختل المعنى، ولا يتغير الإعراب.
وذكر أبو شامة في "الوجيز" أن فتوى وردت من العجم لدمشق، سألوا عن قارئ يقرأ عشرًا من القرآن، فيخلط القراءات؟.
فأجاب ابن الحاجب، وابن الصلاح، وغير واحد من أئمة ذلك العصر بالجواز بالشروط التي ذكرناها، كمن يقرأ مثلًا {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}[البقرة: ٣٧] فلا يقرأ لابن كثير بنصب "آدم"، ولأبي عمرو بنصب "كلمات"، وكمن يقرأ {نَغْفِرْ لَكُمْ}[الأعراف: ١٦١] بالنون {خَطِيئَاتِكُمْ} بالرفع. قال أبو شامة: لاشك في منع مثل هذا، وما عداه فجائز، واللَّه أعلم.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد شاع في زماننا من طائفة من القراء إنكار ذلك، حتى صرَّح بعضهم بتحريمه، فظنّ كثير من الفقهاء أن لهم في ذلك معَتمَدًا، فتابعوهم، وقالوا: أهل كل فنّ أدرى بفنهم، وهذا ذهول ممن قاله، فإن علم الحلال والحرام إنما يُتَلَقَّى من الفقهاء، والذي منع ذلك من القراء إنما هو