للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

محمول على ما إذا قرأ برواية خاصة، فإنه متى خلطها كان كاذبًا على ذلك القارئ الخاص الذي شرع في إقراء روايته، فمن أقرأ رواية لم يحسن أن ينتقل عنها إلى رواية أخرى، كما قاله الشيخ محيي الدين، وذلك من الأولوية، لا على الحتم، أما المنع على الإطلاق فلا، واللَّه تعالى أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله هؤلاء الأئمة -رحمهم اللَّه تعالى- من جواز قراءة الآية الواحدة بالروايات المختلفة بالشروط المذكورة هو الصواب الحقيق بالقبول، وما عداه مردود مخذول؛ لمخالفته للنص الصحيح المنقول: "فاقرؤوا ما تيسر منه"، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

٩ - (ومنها): ما قاله ابن عبد البرُّ: فيه ما يدلّ على أن في جبلة الإنسان وطبعه، وإن كان فاضلًا أن ينكر ما يَعْرِف خلافه، وإن جَهِلَ ما أنكر من ذلك؛ لأن الذي بيده من ذلك علم يقينٌ، فلا يزول عنه إلى غير إلا بمثله من العلم واليقين، وكذلك لا يسوغ خلافه إلا بمثل ذلك.

١٠ - (ومنها): ما قاله ابن عبد البرُّ أيضًا: فيه بيان ما كان عليه عمر -رضي اللَّه عنه- من أنه لا يراعي في ذات اللَّه قريبًا ولا بعيدًا، ولا عدوًّا، ولا صديقًا، وقد كان شديد التفضيل لهشام بن حكيم بن حزام -رضي اللَّه عنه-، فقد روى مالك قال: كان عمر إذا خَشِي وقوع أمر قال: أَمّا ما بَقِيتُ أنا وهشام بن حكيم فلا، ولكنه إذ سمع منه ما أَنكره لم يسامحه، حتى عَرَفَ موضع الصواب فيه، وكان لا يخاف في اللَّه لومة لائم (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لا يخفى بُعد هذا البحث على من تأمله؛ لأن تفضيل عمر لهشام لم يكن في وقت اختلافهما في القراءة؛ لأنه كان في ذلك الوقت حديث عهد بالإسلام، وإنما كان تفضيله بعد أن رسخ قدمه في الإسلام، وتفقّه في دين اللَّه، فتأمل، واللَّه تعالى أعلم.

١١ - (ومنها): أن فيه بيانَ استعمالهم لمعنى الآية العامة لهم ولمن بعدهم، وهي قوله عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩]


(١) "الفتح" ٦٥٣ - ٦٥٤ "كتاب فضائل القرآن" رقم (٤٩٩٢).
(٢) "الاستذكار" ٢/ ٤٨٧.