وقد طوّل الكلام في تحقيق هذه المسألة الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "فتحه"، أحببت إيراده هنا لكونه مكملًا لما نقلته من القرطبيّ، وشارحًا له:
قال -رَحِمَهُ اللَّهُ- عند قول البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}[المزمل: ٢٠]: أي من المنزل، وفيه إشارة إلى الحكمة في التعدد المذكور، وأنه تيسير على القارئ، وهذا يقوّي قول من قال: المراد بالأحرف تأدية المعنى باللفظ المرادف، ولو كان من لغة واحدة؛ لأن لغة هشام بلسان قريش، وكذلك عمر، ومع ذلك فقد اختلفت قراءتهما. نبّه على ذلك ابن عبد البرّ، ونقل عن أكثر أهل العلم أن هذا هو المراد بالأحرف السبعة.
وذهب أبو عبيد، وآخرون إلى أن المراد اختلاف اللغات، وهو اختيار ابن عطية.
وتُعُقِّب بأن لغات العرب أكثر من سبعة.
وأجيب بأن المراد أفصحها، فجاء عن أبي صالح، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال: نزل القرآن على سبع لغات: منها خمس بلغة العجز من هوازن، قال: والعجز: سعد بن بكر، وجثيم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف، وهؤلاء كلهم من هوازن، ويقال لهم: عُلْيا هوزان، ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عُليا هوازن، وسُفلى تميم. يعني بني دارم.
وأخرج أبو عبيد من وجه آخر، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال: نزل القرآن بلغة الكَعْبين، كعبِ قريش، وكعبِ خزاعة. قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأن الدار واحدة. يعني أن خزاعة كانوا جيران قريش، فسهلت عليهم لغتهم.
وقال أبو حاتم السجستاني: نزل بلغة قريش، وهذيل، وتيم الرباب، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر. واستنكره ابن قتيبة، واحتج بقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}[إبراهيم: ٤]، فعلى هذا فتكون اللغات السبع في بطون قريش. وبذلك جزم أبو علي الأهوازي.
وقال أبو عبيد: ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات، بل اللغات السبع متفرقة فيه، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن، وغيرهم. قال: وبعض اللغات أسعد بها من بعض، وأكثر نصيبًا.