عليه الآن بالتوقيف من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما هو العرضة الأخيرة له -صلى اللَّه عليه وسلم- على جبريل عليه السلام، كما أن ترتيب الآيات توقيفي بلا خلاف، ودليل ذلك ما تقدّم من قصّة عثمان -رضي اللَّه عنه- في آية الأنفال والتوبة، وحديثه صحيح، وكذلك حديث أوس المذكور، وهو وإن كان في سنده عثمان بن عبد اللَّه بن أوس، ولم يوثّقه غير ابن حبّان، فقد رَوَى عن جماعة، وروى عنه جماعة، ومثل هذا في التابعين يكون حديثه حسنًا على أقل تقدير.
والحاصل أن ترتيب الآيات والسور توقيفيّ، وأما ما سبق من حديث حُذيفة -رضي اللَّه عنه- من أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ النساء قبل آل عمران ونحو ذلك فيُحمل على أن ذلك قبل الترتيب، أو أن ذلك لبيان الجواز، فيجوز أن يقرأ الإنسان سورة قبل التي قبلها، وليس الترتيب في القراءة ونحوه واجبًا، بل هو مستحبّ، وهذا الوجه أقرب.
وأما ما ثبت من مخالفة مصاحف بعض الصحابة، كمصحف ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- ونحوه، فيُحمل بأنهم لم يصل إليهم الترتيب الأخير، فَبَقُوا على الأمر الأول، واللَّه تعالى أعلم.
قال: ويستفاد من هذا الحديث حديث أوس أن الراجح في المفصل أنه من أول "سورة ق" إلى آخر القرآن، لكنه مبني على أن الفاتحة لم تُعَدّ في الثلث الأول، فإنه يلزم مَن عَدَّها أن يكون أول المفصل من الحجرات، وبه جزم جماعة من الأئمة. انتهى ما في "الفتح"(١)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال: