فقال عثمان: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كثيرًا ما ينزل عليه السورة ذات العدد، فإذا نزل عليه الشيء -يعني: منها- دعا بعض من كان يكتب، فيقول:"ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يُذكر فيها كذا"، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بها، فظننت أنها منها، فقُبِض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يُبَيِّن لنا أنها منها. انتهى.
فهذا يدلّ على أن ترتيب الآيات في كل سورة كان توقيفًا، ولمّا لم يُفْصِح النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأمر "براءة" أضافها عثمان إلى الأنفال اجتهادًا منه -رضي اللَّه عنه-.
ونَقَلَ صاحب "الإقناع" أن البسملة لبراءة ثابتة في مصحف ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، قال: ولا يؤخذ بهذا، وكان من علامة ابتداء السورة نزول "بسم اللَّه الرحمن الرحيم" أول ما ينزل شيء منها، كما أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان، والحاكم، من طريق عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال:"كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يعلم ختم السورة حتى ينزل بسم اللَّه الرحمن الرحيم"، وفي رواية:"فإذا نزلت بسم اللَّه الرحمن الرحيم، علموا أن السورة قد انقضت".
ومما يدلّ على أن ترتيب المصحف كان توقيفًا ما أخرجه أحمد، وأبو داود، وغيرهما عن أوس بن أبي أوس حذيفة المقفيّ -رضي اللَّه عنه- قال: كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف، فذكر الحديث، وفيه:"فقال لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: طرأ عليَّ حِزْبِي من القرآن، فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه"، قال: فسألنا أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قلنا: كيف تُحَزّبون القرآن؟ قالوا: نُحَزِّبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل، من {ق} حتى تختم.
قال: فهذا يدلّ على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان في عهد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ويَحْتَمِل أن الذي كان مُرَتَّبًا حينئذ حزب المفصَّل خاصةً، بخلاف ما عداه، فيَحْتَمِل أن يكون كان فيه تقديم وتأخير، كما ثبت من حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه- أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ "النساء" بعد "البقرة" قبل "آل عمران".
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن الأرجح أن ترتيب السور على ما هو