للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو شاذّ؛ لأن الأول يُقلب للثاني، لا الثاني للأول. انتهى كلام السمين -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقد تكرّر قوله تعالى: {فَهَلْ مِنْ مُّدَكِرٍ} في "سورة اقتربت" بحسب تكرّر القصص، من أخبار الأمم؛ استدعاءً لأفهام السامعين؛ ليعتبروا. قاله في "الفتح" (٢).

وقال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "تفسيره": {وَلَقَدْ يَسَّرنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مُّدَّكِرٍ (١٧)} [القمر] أي: سهّلناه للحفظ، وأَعَنّا عليه من أراد حفظه، فهل من طالب لحفظه، فيعانَ عليه، ويجوز أن يكون المعنى: ولقد هيأناه للذكر، مأخوذ مِن يَسَّرَ ناقته للسفر: إذا رَحَلَها، ويَسَّر فرسه للغزو: إذا أسرجه والجمه، قال [من الطويل]:

وَقُمْتُ إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا … هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ

وقال سعيد بن جبير: ليس من كُتُب اللَّه كتاب يُقرأ كله ظاهرًا إلَّا القرآن، وقال غيره: ولم يكن هذا لبني إسرائيل، ولم يكونوا يقرؤون التوراة إلَّا نظرًا، غير موسى، وهارون، ويوشع بن نون، وعُزير -صلوات اللَّه عليهم- ومن أجل ذلك افْتُتِنُوا بعزير لَمّا كَتَب لهم التوراة عن ظهر قلبه حين أُحرقت، فيَسَّرَ اللَّه تعالى على هذه الأمة حفظ كتابه، ليذَّكَّروا ما فيه؛ أي: يفتعلوا الذكر، والافتعال هو أن ينجع فيهم ذلك حتى يصير كالذات، وكالتركيب فيهم {فَهَل مِن مُّدَكِرٍ} قارئٍ يقرؤه، وقال أبو بكر الوراق وابن شوذب: فهل من طالب خير وعلمٍ، فيعانَ عليه؟.

وكُرِّر في هذه السورة، للتنبيه والإفهام، وقيل: إن اللَّه تعالى اقتَصَّ في هذه السورة على هذه الأمة أنباء الأمم، وقِصَص المرسلين، وما عاملتهم به الأمم، وما كان من عقبى أمورهم وأمور المرسلين، فكان في كل قصة ونبأ ذِكْرٌ للمستمع أن لَوِ ادَّكَر، وإنما كرر هذه الآية عند ذكر كل قصة بقوله: {فَهَل مِن مُّدَّكِر}؛ لأن "هل" كلمة استفهام، تستدعي أَفهامهم التي رُكِّبت في


(١) "الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون" ١٠/ ١٣٦.
(٢) "الفتح" ٨/ ٤٨٥ "كتاب التفسير" (٤٨٧٥).