من العلماء من قال: إن النهي فيها نهي تنزيه لا تحريم، ومن السلف من جوَّز التطوع بعد العصر مطلقًا، واحتجوا بحديث عائشة -رضي اللَّه عنها-؛ لأن النهي عن الصلاة إنما كان سدًّا للذريعة إلى التشبه بالكفار، وما كان منهيًّا عنه للذريعة، فإنه يُفعل لأجل المصلحة الراجحة، كالصلاة التي لها سبب، تفوت بفوات السبب إن لَمْ تفعل فيه، وإلا فاتت المصلحة، والتطوع المطلق لا يحتاج إلى فعله وقت النهي، فإن الإنسان لا يستغرق الليل والنهار بالصلاة، فلم يكن في النهي تفويت مصلحة، وفي فعله فيه مفسدة، بخلاف التطوع الذي له سبب يفوت كسجدة التلاوة، وصلاة الكسوف، ثم إنه إذا جاز ركعتا الطواف مع إمكان تأخير الطواف، فما يفوت أولى أن يجوز.
وطائفة من أصحابنا يجوّزون قضاء السنن الرواتب دون غيرها؛ لكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى ركعتي الظهر، ورُوي عنه أنه رَخَّص في قضاء ركعتي الفجر، فيقال: إذا جاز قضاء السنة الراتبة مع إمكان تأخيرها، فما يفوت كالكسوف، وسجود التلاوة، وتحية المسجد أولى أن يجوز، بل قد ثبت بالحديث الصحيح قضاء الفريضة في هذا الوقت، مع أنه قد يُستحب تأخير قضائها، كما أخّر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قضاء الفجر لَمّا نام عنها في غزوة خيبر، وقال:"إن هذا وادٍ حضرنا فيه الشيطان"، فإذا جاز فعل ما يمكن تأخيره، فما لا يمكن، ولا يستحب تأخيره أولى. انتهى كلام شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ يؤيّد ما أسلفته من ترجيح القول بجواز ذوات الأسباب، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، واللَّه -تعالى- أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال: