للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": وقال القرطبيّ وغيره: ظاهر حديث أنس -رضي اللَّه عنه-: أن الركعتين بعد المغرب، وقبل صلاة المغرب كان أمرًا أقر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه عليه، وعملوا به، حتى كانوا يستبقون إليه، وهذا يدلّ على الاستحباب، وكأن أصله قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بين كل أذانين صلاة"، وأما كونه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يصلهما، فلا ينفي الاستحباب، بل يدلّ على أنهما ليستا من الرواتب، وإلى استحبابهما ذهب أحمد، وإسحاق، وأصحاب الحديث.

ورُوي عن ابن عمر، قال: ما رأيت أحدًا يصليهما على عهد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعن الخلفاء الأربعة، وجماعة من الصحابة أنهم كانوا لا يصلونهما.

وهو قول مالك، والشافعيّ، وادَّعَى بعض المالكية نسخهما، فقال: إنما كان ذلك في أول الأمر، حيث نُهِي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، فبيّن لهم في ذلك وقت الجواز، ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها، فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها.

وتُعُقّب بأن دعوى النسخ لا دليل عليها.

والمنقول عن ابن عمر رواه أبو داود من طريق طاوس عنه، ورواية أنس المثبتة مقدمة على نفيه. والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعيّ عنهم، وهو منقطع، ولو ثبت لَمْ يكن فيه دليل على النسخ، ولا الكراهة.

وقد أخرج البخاريّ في أبواب التطوع عن مرثد بن عبد اللَّه اليزنيّ، قال: "أتيت عقبة بن عامر الجهني، فقلت: إلا أعجبك من أبي تميم -يعني: الجيشاني- يركع ركعتين قبل صلاة المغرب، فقال: عقبة: إنا كنا نفعله على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قلت: فما يمنعك الآن؟ قال: الشغل"، فلعل غيره أيضًا منعه الشغل.

وقد رَوَى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأُبي بن كعب، وأبي الدرداء، وأبي موسى، وغيرهم: أنهم كانوا يواظبون عليهما.

وأما قول أبي بكر ابن العربيّ: اختَلَف فيها الصحابة، ولم يفعلها أحد