في "كتاب صلاة المسافرين"، فراجعه (١) تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.
(اعلم): أنه لما كان لصلاة الخوف أحكام، وصفات تختصّ بها عن غيرها من الصلوات الأَمْنِيَّة دعت الحاجة إلى تقديم تنبيهات مهمة؛ ليكون الطالب على بصيرة، ويمكن الإحالة إليها عند الحاجة في بيان الأحاديث الآتية، إن شاء اللَّه تعالى، فلنذكرها في مسائل:
(المسألة الأولى): قال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "المفهم": قولنا: صلاة الخوف، هي الصلاة المعهودة تَحْضُر، والمسلمون متعرّضون لحرب العدوّ، وقد اختلف العلماء، هل للخوف تأثير في تغيير الصلاة المعهودة عن أصل مشروعيتها المعروفة، أم لا؟
فذهب الجمهور إلى أن للخوف تأثيرًا في تغيير الصلاة على ما يأتي تفصيل مذاهبهم.
وذهب أبو يوسف إلى أنه لا تغيير في الصلاة لأجل الخوف اليوم، وإنما كان التغيير المرويّ في ذلك، والذي عليه القرآن خاصًّا بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، مستدلًّا بخصوصية خطابه تعالى لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} الآية [النساء: ١٠٢]، قال: فإذا لَمْ يكن فيهم لَمْ تكن صلاة الخوف. وهذا لا حجة فيه لثلاثة أوجه:
(أحدها): أنّا أُمرنا باتباعه، والتأسي به، فيلزم اتباعه مطلقًا، حتى يدلّ دليل واضحٌ على الخصوص، ولا يصلح ما ذكره دليلًا على ذلك، ولو كان مثل ذلك دليلًا على الخصوصية للزم قصر الخطابات على من توجهت له، وحينئذ يلزم أن تكون الشريعة قاصرة على من خوطب بها، لكن قد تقرّر بدليل إجماعيّ أن حكمه على الواحد حكمه على الجميع، وكذلك ما يُخاطَبُ هو به، كقوله تعالى:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ}[يونس: ٩٤]، {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ}[الأنفال: ٦٤]، ونحوه كثير.
(وثانيها): أنه قد قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلّوا كما رأيتموني أصلي". متفق عليه.