للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَن) عبد الملك بن عبد العزيز (بْنِ جُرَيْجٍ) المكّي، أنه (قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ) محمد بن مسلم (أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ) رضي الله تعالى عنهما (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "غِلَظُ الْقُلُوبِ) بكسر الغين المعجمة، وفتح اللام، وزان عِنَب مصدر غَلُظ الشيءُ بالضمّ: خلاف دَقَّ، والاسم الْغِلْظةُ بالكسر، وحَكَى في "البارع" التثليث عن ابن الأعرابيّ، وهو غَلِيظٌ، والجمع غِلاظٌ، وعذابٌ غليطٌ: شديدُ الألم، وغَلُظ الرجلُ: اشتدّ، فهو غليظ أيضًا، وفيه غِلْظةٌ: أي غير لَيِّنٍ، ولا سَلِسٍ، قاله الفيّوميّ (١). (وَالْجَفَاءُ) بالفتح، يقال: جَفَا السرجُ عن ظهر الفرس يجفو جَفَاءً: ارتفع، وجافيته، فتجافى، وجفوت الرجل أجفوه: أعرضت عنه، أو طردته، وهو مأخوذ من جُفَاء السيل، وهو ما نفاه السيل، وقد يكون مع بغضٍ، وجَفَا الثوب يجفو: إذا غلُظ، فهو جافٍ، ومنه جفاء الْبَدْو، وهو غِلْظَتهم، وفَظَاظَتهم، قاله الفيّوميّ أيضًا.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذه المعاني كلها تصلح في الحديث، فجفاء القلوب: ارتفاعها، وتكبّرها، وإعراضها عن الحقّ، وطرده ودفعه عنها، فلا تقبله بغضًا له، والله تعالى أعلم.

فقوله: "غلظ القلوب" مبتدأ خبره قوله: (فِي الْمَشْرِقِ) أي كائن في أهل المشرق، وقد سبق بيان المراد بأهل المشرق قريبًا، فلا تنس، وإعراب قوله: (وَالْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ) كسابقه، و"الْحِجَاز" بكسر الحاء المهملة، وتخفيف الجيم، مشتقّ من حَجَزْتُ بين الشيئين حَجْزًا، من باب قَتَلَ: إذا فَصَلتَ بينهما، وسُمي بذلك لأنه فصل بين نَجْد والسَّرَاة، وقيل: بين الْغَوْر والشأم، وقيل: لأنه احتجز بالجبال، قاله الفيّوميّ (٢).

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: فيه حجة - أي لمن حمل "الإيمان يمان" - على مكة والمدينة، وأن المراد مبدؤه، ومستقرّه، وظهوره؛ لأن مكّة والمدينة من بلاد الحجاز، وقد قالوا: إن حدّ الحجاز من جهة الشام شَغْبٌ


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٥٠.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ١٢٢.