للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبَدَا (١)، ومما يلي تِهَامة بَدْرٌ، وعُكَاظُ، قال الْقُتَبيّ: سُمِّي حجازًا؛ لحجزه بين نَجد وتِهَامة، وقال ابن دُريد: لحجزه بين نَجْد والسَّرَاة، قال الأصمعيّ: إذا انحدرت من نجد من ثنايا ذات عِرْق، فقد أَتْهَمتَ إلى البحرين، فإذا استقبلتك الْحِرَارُ، وأنت بنجد، فذلك الْحِجَاز، سُمّيت بذلك؛ لأنها حُجِزت بالْحِرَار الْخَمس (٢).

وقد يكون المراد بالحجاز هنا المدينة فقط، ويؤيّده قوله في الحديث الآخر: "إن الإيمان لَيَأْرِزُ إلى المدينة … " الحديث، متّفقٌ عليه.

وفي هذا الحديث دليل على ترجيح فقه أهل الحجاز، وأهل المدينة، وترجيح فقه مالك رحمه الله تعالى؛ إذ هو يمانيّ النسب، يمانيّ البلد، والمدينة دار أهل اليمن الذين نَسَبَ إليهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الفقه والحكمة. انتهى كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى (٣).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ذكره القاضي من ترجيح فقه أهل المدينة على غيرهم، قاله أيضًا في كتابه الآخر "ترتيب المدارك" فترجم فيه بقوله: "باب فضل علم أهل المدينة"، "باب ما جاء عن السلف والعلماء في وجوب الرجوع إلى عمل أهل المدينة"، "باب ترجيح مذهب مالك، والحجة في وجوب تقليده، وتقديمه على غيره من الأئمة" (١/ ٦١ و ٦٦ و ٧٥)، وبالغ في تقرير ذلك كلّه، ولا يخفى ما فيه من المبالغة التي تحمل العوامّ على التعصّب.

وقد أجاد الحافظ ابن حجر في تعقّبه على القرطبيّ، فقال: وهذا إن سُلّم اختصّ بعصر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والخلفاء الراشدين، وأما بعد ظهور الفتن، وانتشار


(١) "شَغْبٌ"، ويقال: شَغْبَى، و"بدا" موضعان بين المدينة وأيلة، انظر: "معجم البلدان" ١/ ٣٥٦، ٣/ ٣٥١.
(٢) "الْحِرَارُ" جمع حرّة، وهي أرضٌ ذات حجارة سُود، كأنها أُحرقت بالنار، وهي كثيرة في بلاد العرب، والْحِرَارُ الخمسُ هي: حرّةُ بني سُليم، وحَرّة واقم، وحرّةُ ليلى، وحرّة شَورَان، وحرّةُ النار. انظر: "معجم البلدان" ٢/ ١٣٤.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ٣٢٣ - ٣٢٤.