وممن صرح بهذا: عطاءٌ، كما سبق ذكره عنه، ومنهم: يحيى بن يحيى النيسابوري، والجوزجاني.
وقد تبيّن بهذا أن لفظ الواجب ليس نصًا في الإلزام بالشيء والعقاب على تركه، بل قد يراد به ذَلِكَ -وهو الأكثر-، وقد يراد به تأكد الاستحباب والطلب.
ولهذا قالَ إسحاق: إن كل ما في الصَّلاة فهوَ واجبٌ، وإن كانت الصَّلاة تعاد من ترك بعضه، كما سبق ذكره عنه، وسبق -أيضًا- عن الشافعي وأحمد في لفظ: الفرض ما يدل على نحو ذَلِكَ، فالواجب أولى؛ لأنه دون الفرض.
ونص الشافعي -في رواية البويطي- على أن صلاة الكسوف ليست بنفلٍ، ولكنها واجبةٌ وجوب السنة.
وهذا تصريح منه بأن السنة المتأكدة تسمى واجبًا، واللَّه أعلم. انتهى كلام الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي ذكره الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- بحث نفيسٌ، خلاصته أن الأرجح حمل الوجوب المذكور في هذا الحديث على الأمر المتأكد، لا على الواجب الذي يأثم تاركه؛ جمعًا بين الأدلّة الظاهرة في ذلك.
[فمنها]: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عند مسلم مرفوعًا:"من توضّأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع، وأنصت، غُفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا".
[ومنها]: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- الآتي: فقيل لهم: "لو اغتسلتم يوم الجمعة"، فإن هذا عرض وتحضيضٌ، وإرشاد، لا يقال مثله في الواجب.
[ومنها]: تقرير عمر عثمان بمحضر من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على اكتفائه بالوضوء، كما سبق بيانه.