وحكي رواية عن أحمد، قال أحمد -في رواية حربٍ وغيره-: أخاف أن يكون واجبًا، إلا أن يكون بردٌ شديدٌ، وهذا لا يدل على لوجوب جزمًا، وهو رواية عن مالكٍ، ولم يذكر في "تهذيب المدونة" سواها.
وذكر ابن عبد البر: أنه لا يعلم أحدًا قال: إنه يأثم بتركه، غير أهل الظاهر، وأن من أوجبه، قال: لا يأثم بتركه، وحَكَى -أيضًا- الإجماع على أنه ليس بفرض واجب.
وذكر عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاءٍ: غسل الجمعة واجبٍ؟ قال: نعم، من تركه فليس بآثمٍ، قال عبد الرزاق: وهو أحب القولين إلى سفيان، يقول: هو واجبٌ؛ يعني: وجوب سنةٍ.
وذكر ابن عبد البر قولين للعلماء، وذكر أنه أشهر الروايتين عن مالكٍ.
والثاني: أنه مستحب وليس بسنةٍ، بل كالطيب والسواك، وحكاه رواية عن مالكٍ.
وحكى عن بعضهم: أن الطيب يغني عنه، حكاه عن عطاء الخراساني، وعن عبد الكريم بن الحارث المصري، وعن موسى بن صهيبٍ، قالَ: كانوا يقولون ذَلِكَ.
وعن النخعيّ، قالَ: ما كانوا يرون غسلًا واجبًا إلا غسل الجنابة، وكانوا يستحبون غسل الجمعة.
فابن عبد البر لم يُثبت في وجوب غسل الجمعة -بمعنى كونه فرضًا يأثم بتركه- اختلافًا بين العلماء المعتبرين، وإنما خَصَّ الخلاف في ذَلِكَ بأهل الظاهر.
والأكثرون: أطلقوا حكاية الخلاف في وجوب غسل الجمعة، وحكوا القول بوجوبه عن طائفة من السلف، كما حكاه ابن المنذر، عن أبي هريرة وعمار، وعن مالكٍ -أيضًا-.
والذي ذكره ابن عبد البر هوَ التحقيق في ذَلِكَ -واللَّه أعلم-، وأن من أطلق وجوبه إنما تبع في ذَلِكَ ما جاء عن النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من إطلاق اسم الواجب عليهِ، وقد صرَّح طائفة منهم بأن وجوبه لا يقتضي الإثم بتركه، كما حمل أكثر العلماء كلام النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على مثل ذَلِكَ -أيضًا-.