وقد حُكِي عن عمر وعثمان، ومستند من حكاه عنهما: قصة عمر مع الداخل إلى المسجد؛ فإنه قد وقع في روايةٍ أنه كان عثمان.
وممن قال: هو سنة: ابن مسعودٍ، وروي عن ابن عباسٍ، أنه غير واجبٍ، وعن عائشة وغيرهم من الصحابة، وبه قال جمهور فقهاء الأمصار: الثوريّ، والأوزاعيّ، وأبو حنيفة، والشافعيّ، وأحمد -في ظاهر مذهبه-، وإسحاق، ورواه ابن وهبٍ عن مالكٍ، وأنه قيل له: في الحديث: هو واجبٌ؟ قال: ليس كل ما في الحديث: هو واجبٌ يكون كذلك، وهو اختيار عبد العزيز بن أبي سلمة وغيره من أصحابه.
واستَدَلَّ من قال: ليس بواجبٍ: بما روي عن الحسن، عن سمرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل"، أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائيّ، والترمذي، وحسنَّه، وقد اختُلِف في سماع الحسن من سمرة، وأخرجه ابن ماجه من حديث يزيد الرقاشي، عن أنس -مرفوعًا- أيضًا، ويزيد، ضعيف الحديث.
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه، عن- النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال:"من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فدنا واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام".
وهذا يدل على أن الوضوء كافٍ، وأن المقتصر عليه غير آثمٍ ولا عاصٍ، وأما الأمر بالغسل فمحمول على الاستحباب.
وقد رُوي من حديث عائشة وابن عباسٍ ما يدلّ على ذلك، وسيأتي ذكره -إن شاء اللَّه تعالى-.
وأما رواية الوجوب، فالوجوب نوعان: وجوب حتم، ووجوب سنةٍ وفضل.
وذهبت طائفة إلى وجوب الغسل، وروي عن أبي هريرة، والحسن، وروي -أيضًا- عن سعدٍ، وعمارٍ، وابن عباسٍ -في رواية أخرى عنه-، وعن عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود، وعطاء بن السائب، وعمرو بن سليمٍ وغيرهم من المتقدمين.