لـ "كان" المحذوفة مع اسمها، وهو كثير في الاستعمال، كما قال في "الخلاصة":
وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ … وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثِيرًا ذَا اشْتَهَرْ
أي ولو كان الممسوسُ كائنًا من طيب المرأة.
[فائدة]: "لو" تأتي للتقليل، كحديث: "رُدُّوا السائل ولو بظِلْف مُحْرَق"، حديث صحيح، رواه النسائيّ وغيره.
والمراد: ردّه بالإعطاء، ولو يسيرًا.
وإلى هذا أشار السيوطيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الكوكب الساطع" بقوله:
وَقِلَّةٍ كَخَبَرِ الْمُصَدَّقِ … تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقِ
وقلت في "التحفة المرضيّة":
وَجَا لِقِلَّةٍ كَـ "رُدُّوا السَّائِلَا" … وَمَصْدَرِيًّا عِنْدَ بَعْضِ النُّبَلَا
وقريب من هذا المعنى ما وقع في هذا الحديث، فكأنه يقول: لا تتركوا الطيب، ولو بأقلّ ما يُمكن، وهو أن يستعمل طيب النساء، واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: في رواية البخاريُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في آخر هذا الحديث ما نصّه: قال عمرو: أما الغسل فأشهد أنه واجبٌ، وأما الاستنان والطيب فاللَّه أعلم، أواجب هو أم لا؟، ولكن هكذا في الحديث. انتهى.
قال في "الفتح": قوله: "قال عمرو" أي: ابن سُليم راوي الخبر، وهو موصول بالإسناد المذكور إليه.
وقوله: "وأما الاستنان والطيب فاللَّه أعلم. . . إلخ" هذا يؤيد ما تقدم من أن العطف لا يقتضي التشريك من جميع الوجوه، وكأن القدر المشترك تأكيد الطلب للثلاثة، وكأنه جزم بوجوب الغسل دون غيره؛ للتصريح به في الحديث، وتوقف فيما عداه؛ لوقوع الاحتمال فيه.
قال الزين ابن الْمُنَيِّر: يَحْتَمِل أن يكون قوله: "وأن يستنّ" معطوفًا على الجملة المصرِّحة بوجوب الغسل، فيكون واجبًا أيضًا، ويَحْتَمِل أن يكون مستأنفًا، فيكون التقدير: وأن يستنّ، ويتطيب استحبابًا، ويؤيد الأول رواية الليث، عن خالد بن يزيد، حيث قال فيها: إن الغسل واجب، ثم قال: