للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلا بالتحابّ، ولا تدخلون الجنة عند دخول أهلها إذا لم تكونوا كذلك، وهذا الذي قاله محتمل. انتهى (١).

وقال القرطبيّ: معناه: لا يكمل إيمانكم، ولا يكون حالكم حال من كَمُل إيمانه حتى تفشوا السلام الجالب للمحبّة الدينيّة، والألفة الشرعيّة. انتهى.

(أَوَلَا) بفتح الهمزة والواو، هي "ألا" التي للعرض والتحضيض، والواو للعطف، وأصلها التقديم على الهمزة، إلا أنها أخّرت للزوم تصديرها (أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ) عظيم، فالتنوين للتنكير؛ وعظمته حيث كان سببًا للمحبّة التي هي سبب للإيمان الكامل الذي هو سبب لدخول الجنّة (إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا) بقطع الهمزة المفتوحة فعل أمر من الإفشاء (السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) معنى إفشائه: إظهاره، وإشاعته، وإقراؤه على المعروف وغير المعروف، قاله القرطبيّ.

وقال السنديّ: والمراد نشر السلام بين الناس؛ ليُحيُوا سنته - صلى الله عليه وسلم -، قال النوويّ: أقلّه أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلَّم عليه، فإن لم يسمعه لم يكن آتيًا بالسنّة، ذكره السيوطيّ في "حاشية أبي داود" في شرح هذا اللفظ.

قال السنديّ: ظاهره أنه حمل الإفشاء على رفع الصوت به، والأقرب حمله على الإكثار. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأَوْلى حمله على المعنيين؛ إذ لا تنافي بينهما، فيكون المراد بالإفشاء رفع الصوت بالسلام وإكثاره بين الناس، والله تعالى أعلم.

وقال الطيبيّ رحمه الله: اعلم أنه تعالى جعل السلام سببًا للمحبّة، والمحبّة سببًا لكمال الإيمان؛ لأن إفشاء السلام سبب للتحابّ والتوادّ، وهو سبب الأُلفة والجمعيّة بين المسلمين المسبب لكمال الدين، وإعلاء كلمة الإسلام، وفي التهاجر والتقاطع والشحناء التفرقة بين المسلمين، وهو سبب لانثلام الدين، والوهنِ في الإسلام، وجَعْل كلمة الذين كفروا الْعُلْيَا، قال الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٣٦.
(٢) "شرح السنديّ" ١/ ٥٣.