للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي اللَّه عنه- (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) يدخل فيه كلُّ مَن يصحّ التقرب منه، من ذكر، أو أنثى، حرّ، أو عبد (غُسْلَ الْجَنَابَةِ) بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف؛ أي: غسلًا كغسل الجنابة، وهو كقوله تعالى: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: ٨٨].

وفي رواية ابن جريج، عن سُميّ، عند عبد الرزاق: "فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة".

وظاهره أن التشبيه للكيفية، لا للحكم، وهو قول الأكثر، وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة؛ ليغتسل فيه من الجنابة، والحكمة فيه أن تَسْكُن نفسه في الرواح إلى الصلاة، ولا تمتد عينه إلى شيء يراه، وفيه حمل المرأة أيضًا على الاغتسال ذلك اليوم، وعليه حمل قائل ذلك حديث: "مَن غَسَّلَ، واغتسل"، المخرَّج في "السنن" على رواية من رَوَى "غَسَّلَ" بالتشديد.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ذهب بعض أصحابنا إلى هذا، وهو ضعيف، أو باطل والصواب الأول. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ادّعاء النوويّ بطلان هذا القول عجيبٌ، فقد حكاه ابن قدامة عن الإمام أحمد، وثبت أيضًا عن جماعة من التابعين، اللهم إلا أن يريد أنه باطل في المذهب، كما أبداه الحافظ في "الفتح" (١).

والحاصل أن حمل "غسّل، واغتسل وكذا حمل قوله في هذا الحديث: "من اغتسل غسلَ الجنابة" على الإشارة إلى الجماع؛ للعلّة المذكورة واضحٌ لا خفاء فيه، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "غسل الجنابة" يعني: في الصفة، والأغسال الشرعيّة كلها على صفة واحدة، وإن اختلفت أسبابها، وهكذا رواية الجمهور، ووقع عند ابن ماهان: "غسل الجمعة" مكان "غسل الجنابة"، وفي كتاب أبي داود من حديث أوس بن أوس -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "من غسّل، واغتسل" الأول مشدّد السين، وذكر نحو حديث مسلم، وقد رُوي مخفّف السين، وروايتنا التشديد.


(١) راجع: "الفتح" ٢/ ٤٢٦.