واختُلف في معناه، فقيل: معناه جامع، يقال: غَسَلَ، وغَسَّلَ: إذا جامع، قالوا: ليكون أغضّ لبصره في سعيه إلى الجمعة، وقيل: في التشديد: أوجب الغسل على غيره، أو حمله عليه، وقيل: غسّل للجنابة، واغتسل للجمعة، وقيل: غسّل رأسه، واغتسل بقيّة جسده، وقيل: غسّل بالغ في النظافة والدلك، واغتسل صبّ الماء عليه، وأنسب ما في هذه الأقوال قول من قال: حمل غيره على الغسل بالحثّ، والترغيب، والتذكير، واللَّه تعالى أعلم. انتهى (١).
(ثُمَّ رَاحَ) أي: في الساعة الأولى، بدليل قوله الآتي:"ومن راح في الساعة الثانية"، وقد أخرجه مالك في "الموطأ" بهذا الإسناد، بلفظ:"في الساعة الأولى".
قال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المراد بالرواح الذهاب أول النهار، وفي المسألة خلاف مشهور.
مذهب مالك، وكثيرٍ من أصحابه، والقاضي حسين، وإمام الحرمين من أصحابنا، أن المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس، والرواح عندهم بعد الزوال، وادَّعَوا أن هذا معناه في اللغة.
ومذهب الشافعيّ، وجماهير أصحابه، وابن حبيب المالكيّ، وجماهير العلماء استحباب التبكير إليها أول النهار، والساعات عندهم من أول النهار، والرواح يكون أول النهار وآخره، قال الأزهريّ: لغة العرب الرواح الذهاب، سواء كان أول النهار أو آخره، أو في الليل، وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث والمعنى؛ لأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى، وهو كالمهدي بدنةً، ومن جاء في الساعة الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، وفي رواية النسائيّ السادسة، فإذا خرج الإمام طَوَوُا الصحف، ولم يكتبوا بعد ذلك أحدًا، ومعلوم أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يخرج إلى الجمعة متصلًا بالزوال، وهو بعد انفصال السادسة، فدل على أنه لا شيء من الهدي والفضيلة لمن جاء بعد الزوال، ولأن ذكر الساعات إنما كان للحثّ في