للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الذي يصلي، ثم يروح إلى أهله" (١)، وأخبر "أن الملائكة لم تزل تصلي عليه ما دام في مصلاه" (٢)، وأخبر "أن انتظار الصلاة بعد الصلاة مما يمحو اللَّه به الخطايا، ويرفع به الدرجات" و"أنه الرباط" (٣)، وأخبر "أن اللَّه يباهي ملائكته بمن قضى فريضة، وجلس ينتظر أخرى" (٤).

وهذا يدلّ على أن من صلى الصبح، ثم جلس ينتظر الجمعة، فهو أفضل ممن يذهب، ثم يجيء في وقتها، وكون أهل المدينة وغيرهم لا يفعلون ذلك، لا يدلّ على أنه مكروه، فهكذا المجيء إليها، والتبكير في أول النهار، واللَّه أعلم. انتهى كلام ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٥)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا.

وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أنه استُدِلَّ بهذا الحديث على أن الجمعة تصح قبل الزوال، كما سيأتي نقل الخلاف فيه قريبًا.

قال: ووجه الدلالة منه تقسيم الساعة إلى خمس، ثم عقب بخروج الإمام، وخروجه عند أول وقت الجمعة، فيقتضي أنه يخرج في أول الساعة السادسة، وهي قبل الزوال.

والجواب أنه ليس في شيء من طرق هذا الحديث ذكر الإتيان من أول النهار، فلعل الساعة الأولى منه جُعِلت للتأهب بالاغتسال وغيره، ويكون مبدأ المجيء من أول الثانية، فهي أولى بالنسبة للمجيء، ثانية بالنسبة للنهار، وعلى هذا فآخر الخامسة أول الزوال، فيرتفع الإشكال، وإلى هذا أشار الصيدلانيّ شارح "المختصر"، حيث قال: إن أول التبكير يكون من ارتفاع النهار، وهو أول الضحى، وهو أول الهاجرة، ويؤيده الحثّ على التهجير إلى الجمعة، ولغيره من الشافعية في ذلك وجهان، اختَلَف فيهما الترجيح، فقيل: أول التبكير طلوع الشمس، وقيل: طلوع الفجر، ورجّحه جمع، وفيه نظرٌ؛ إذ يلزم منه أن


(١) متفق عليه.
(٢) متفق عليه.
(٣) أخرجه مسلم.
(٤) أخرجه ابن ماجه، بإسناد صحيح، وصححه البوصيريّ في "الزوائد".
(٥) "زاد المعاد في هدي خير العباد" ١/ ٣٩٩ - ٤٠٧.