ابن شهاب، عن عُمر بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن إبراهيم بن قارظ، عن أبي هريرة، قال في "الفتح": والطريقان معًا صحيحان، وقد رواه أبو صالح، عن الليث بالإسنادين معًا، أخرجه الطحاويّ، وكذا رواه ابن جُريج وغيره عن الزهريّ بهما، أخرجه عبد الرزّاق وغيره، ورواه مالك عند أبي داود، وابنُ أبي ذئب عند ابن ماجه، كلاهما عن الزهريّ بالإسناد الأول. انتهى (١).
(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ:"إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ) ولفظ النسائيّ: "من قال لصاحبه. . . "، والمراد بالصاحب هو الذي يخاطبه إذ ذاك، أو جليسه، وإنما ذكر الصاحب؛ لكونه الغالب (أَنْصِتْ) قال في "الصحاح": الإنصات السكوت، والاستماع للحديث، وقال في "المشارق": السكوت والاستماع لما يقال، وقال في "النهاية": أنصت: سَكَتَ سُكُوتَ مُستَمِعٍ.
وهذه العبارة متفقة في المعنى، واقتصر في "المحكم" على أنه السكوت، ويوافقه عطفه في التنزيل على الاستماع في قوله تعالى:{فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}[الأعراف: ٢٠٤].
قال وَليّ الدين العراقيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وكذا قال أصحابنا الفقهاء: الإنصات هو السكوت، والاستماع شغل السمع بالسماع.
ويستعمل رباعيًّا، وهو أفصح، وثلاثيًّا، فيقال: أنصت، ونَصَتَ، فيجوز في قوله هنا: "انصت" قطع الهمزة، ووصلها، والأول أفصح، وأشهر، والصاد مكسورة على كلّ حال. انتهى.
وقوله:(يَوْمَ الْجُمُعَةِ) متعلق بـ "قلت"، وفي هذا التقييد دلالةٌ على أن خطبة غير الجمعة، كالعيد، والكسوف، والاستسقاء ليست كالجمعة، فلا يجب الإنصات لها، ولا يَحْرُم الكلام فيها، واستماعها مستحبّ فقط؛ لأنها غير واجبة، وقد صرّح بذلك أصحاب الشافعيّ، وحكى ابن عبد البرّ عن عطاء، قال: يَحْرُم الكلام ما كان الإمام على المنبر، وإن كان قد ذهب في غير ذكر اللَّه، قال: ويوم عرفة، والعيدين كذلك في الخطبة. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قول عطاء -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو مذهب النسائيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-،