فقد ترجم في "سننه" بقوله: "الإنصات للجمعة"، ثم أورد حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا من طريق مالك، عن ابن شهاب بلفظ:"إذا قلت لصاحبك: أنصت، والإمام يخطُبُ، فقد لغوت"، فاحتجّ بإطلاق هذه الرواية على وجوب الإنصات لخطبة العيد.
لكن الذي يظهر لي أن المطلق في هذه الرواية يُحمل على المقيّد بيوم الجمعة في رواية الباب؛ لأن مخرج الحديث واحد، فيُحمل على أن بعض الرواة اختصره، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله:(وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) جملة في محلّ نصب على الحال من "قلت"، والرابط الواو.
وفيه دلالة بأن ابتداء الإنصات من الشروع في الخطبة، وأن النهي من الكلام يختص بحال الخطبة، وردٌّ على من جعل وجوب الإنصات، والنهي عن الكلام من خروج الإمام، نعم الأولى والأحسن الإنصات منه.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: كذا قالوا، وفيه نظر لا يخفى، بل القول بأن النهي من خروج الإمام هو الأولى، لما سيأتي للمصنّف من حديث جابر -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا:"إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، وقد خرج الإمام، فليُصلّ ركعتين"، فإنه يدلّ على أن الإنصات من خروج الإمام، فقولهم أولى بالصواب، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
(فَقَدْ لَغَوْتَ) وفي الرواية التالية: "إذا قلت لصاحبك أنصت، فقد لغيت" بالياء، قال أبو الزناد: هي لغة أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، وفي رواية هَمّام عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا:"إذا قلت للناس أنصتوا، وهم يتكلّمون، فقد ألغيت على نفسك"(١).
قال الأخفش: اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه، وقال ابن عرفة: اللغو السقط من القول، وقيل: الميل عن الصواب، وقيل: اللغو الإثم، كقوله تعالى:{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}[الفرقان: ٧٢].
وقال الزين ابن الْمُنَيّر: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا