وذكر ابن عبد البرّ أن عبد اللَّه بن عروة كان يُنصت للخطيب، فإذا شتم عليًّا تكلّم، ويقول: إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا.
وقد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن الشعبيّ، ومحمد بن عليّ بن الحسين أنه لا بأس بالكلام، والصحف تقرأ يوم الجمعة، وعن أبي بردة، وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا يتكلمان في هذه الحالة، وعن حماد بن أبي سليمان إنما كان السكوت قبل اليوم إذا وعظوا بكتاب اللَّه، وقالوا فيه، فنسكت لصحفهم هذه؟، وعن الحسن البصري أنه كان يكره الكلام، والصحف تقرأ. وعن إبراهيم النخعيّ أنه قيل له: إن الكتب تجيء من قبل قُتيبة، فيها الباطل والكذب، فأكلّم صاحبي، أو أنصت؟ قال: لا، بل أنصت -يعني: في الجمعة- فطرد النخعيُّ والحسن منع الكلام في الخطبة، وسَدَّا البَابَ في ذلك.
قال ابن بطال: وروى ابن وهب، وابن قانع، وعليّ بن زياد، عن مالك أن الإمام إذا لغى، وشتم الناس، فعلى الناس الإنصات، ولا يتكلّمون.
ورُويَ عنه: إذا خطب في أمر ليس من الخطبة من أمر كتاب يقرؤه، أو نحو ذلك، فليس على الناس الإنصات.
ورأى الليث إذا أخذ الإمام في غير ذكر اللَّه، والموعظة أن يتكلّم، ولا يُنصت. انتهى.
وقال ابن حزم: فإن أدخل الخطيب في خطبته ما ليس من ذكر اللَّه تعالى، ولا من الدعاء المأمور به، فالكلام مباح حينئذ، فهذان مذهبان آخران مفصِّلان، إما بين أئمة الجور وغيرهم، وإما بين الوعظ وغيره.
وحكى ابنُ عبد البرّ قولًا خامسًا أنه إنما يجب الإنصات عند تلاوة القرآن خاصّة، قال: روي عن الشعبي، وسعيد بن جبير، والنخعيّ، وأبي بُردة، قال: وفعلهم ذلك مردود عند أهل العلم بالسنّة الثابتة، وأحسن أحوالهم أنهم لم يبلغهم الحديث في ذلك؛ لأنه حديث انفرد به أهل المدينة، ولا علم لمتقدمي أهل العراق به.
وقال ابن بطال: استماع الخطبة واجب وجوبَ سنة عند أكثر العلماء، ومنهم من جعله فريضةً. انتهى.
وهذا على قاعدة المالكية من وجوب السنن، ومعناه أنه سنة مؤكدة، وهو