وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وإنما اكتَفَى أصحابنا بالإشارة في الطلاق والعقود ونحوها، من الأخرس الذي لا يَقدر على النطق، إذا كانت له إشارة مفهومة، أما الناطق فلم يكتفوا بإشارته في العقود والفسوخ ونحوها، وإنما اكتفوا بها في الأمور الخفيفة. انتهى.
٨ - (ومنها): ما قيل: إن قيل: ظاهر الحديث حصول الإجابة لكلّ داع بالشرط المتقدّم، مع أن الزمن يختلف باختلاف البلاد، والمصلي، فيتقدم بعض على بعض، وساعة الإجابة متعلقة بالوقت، فكيف تتفق مع الاختلاف؟.
أجيب باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كلّ مصلّ، كما قيل نظيره في ساعة الكراهة، ولعلّ هذا فائدة جعل الوقت الممتدّ مظنّة لها، وإن كانت هي خفيفة.
ويَحْتَمِل أن يكون عبّر عن الوقت بالفعل، فيكون التقدير وقت جواز الخطبة، أو الصلاة، ونحو ذلك. واللَّه تعالى أعلم، قاله في "الفتح"(١)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في ساعة الجمعة:
لقد حقّق الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- هذا الموضوع، وأجاد فيه في كتابه العديم النظير في بابه، في استقصائه واستيعابه "فتح الباري"، حيث قال:
وقد اختَلَفَ أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم في هذه الساعة، هل هي باقية، أو رُفعت؟ وعلى البقاء، هل هي في كلّ جمعة، أو في جمعة واحدة من كل سنة؟ وعلى الأول، هل هي وقت من اليوم معينٌ، أو مبهم؟ وعلى التعيين، هل تستوعب الوقت، أو تُبْهَم فيه؟، وعلى الإبهام ما ابتداؤه، وما انتهاؤه؟ وعلى كل ذلك، هل تستمرّ، أو تنتقل؟ وعلى الانتقال، هل تستغرق اليوم، أو بعضه؟، وها أنا أذكر تلخيص ما اتصل إليّ من الأقوال مع أدلتها، ثم أعود إلى الجمع بينها، والترجيح:
(فالأول): أنها رُفعت، حكاه ابن عبد البرّ عن قوم، وزيّفه، وقال عياض: ردّه السلف على قائله، ورَوَى عبد الرزاق، عن ابن جُريج، أخبرني