للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي اللَّه عنه- أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نَحْنُ الْآخِرُونَ) -بكسر الخاء المعجمة- أي: المتأخرون زمانًا (وَنَحْنُ السَّابِقُونَ) أي: المتقدّمون على الأمم (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) والمراد أن هذه الأمة، وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم أول من يُحْشَر، وأول من يُحاسَب، وأول من يُقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة، وفي حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه- الآتي: "نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضيّ لهم قبل الخلائق".

وقال الحافظ ولي الدين العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والتقييد بـ "يوم القيامة" يردّ قولَ من قال: إن المراد سبقهم بيوم الجمعة على الأيام بعده التي هي تَبَعٌ له، وقولَ من قال: إن المراد سبقهم بالقبول والطاعة التي حُرمُوها، وقالوا: سمعنا وعصينا.

وصحّ وصف هذه الأمّة بالآخرية، والسبق باعتبارين، فلما اختلف الاعتبار لم يكن في ذلك تناف.

[فإن قلت]: كون هذه الأمة آخر الأمم أمر واضح، فما فائدة الإخبار به؟.

[قلت]: يَحْتَمِل أنه ذُكِر توطئة لوصفهم بالسبق يوم القيامة، وأنه لا يُتخيّل من تأخرهم في الزمن تأخّرهم في الحظوظ الأُخرويّة، بل سابقون فيها.

ويَحْتَمِل أن يُراد بذلك الدلالة على أنهم آخر الأمم، وأن شريعتهم باقية إلى آخر الدهر، ما دام التكليف موجودًا، فسائر الأمم، وإن سبقوا، لكن انقطعت شرائعهم، ونُسخت، بخلاف هذه الأمة، فإن شريعتها باقية مستمرّة، وهذا الاحتمال أمكن من الأول؛ لأنه يكون حينئذ في وصفهم بالآخريّة شرف، كما أن في وصفهم بالسبق شرفًا، وعلى الأول يكون ذكره مجرّد توطئة، واللَّه تعالى أعلم. انتهى (١).

(بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتِ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا) "بَيْدَ" -بموحّدة، ثم تحتانيّة ساكنة- مثل "غير" وزنًا وَمعنًى، وبه جزم الخليل، والكسائيّ، ورجحه ابن


(١) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٣/ ١٥٢ - ١٥٣.