للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَمْدًا فَعَلْتُ ذَاكَ بَيْدَ أَنِّي … أَخَافُ إِنْ هَلَكْتُ لَمْ تُرِنّي (١)

وقد ذكر ابن مالك أن "بيد" في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بيد أني من قُريش" بمعنى "غير"، مثل قوله [من الطويل]:

وَلَا عَيبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ … بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

وسبقه إلى ذلك ابن الأثير في "النهاية".

وعبارة ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "التوضيح": و"بيد" بمعنى "غير"، والمشهور استعمالها متلُوّةً بـ "أَنَّ"، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نحن الآخرون السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم"، ومنه قول الشاعر [من الرمل]:

بَيْدَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَضَّلَكُمْ … فَوْقَ مَنْ أَحْكَأَ (٢) صُلْبًا بِإِزَارِ

وقول الراجز:

عَمْدًا فَعَلْتُ ذَاكَ بَيْدَ أَنِّي … . . . . . . . . . . البيت

والأصل في رواية من روى "بيد كلّ أمة": بيد أنّ كل أمة، فحُذفت "أنّ"، وبطل عملها، وأُضيف "بيد" إلى المبتدأ والخبر اللذين كانا معمولي "أَنّ"، وهذا الحذف في "أنّ" نادر، لكنه غير مستبعد في القياس على حذف "أَنْ" فإنهما أختان في المصدريّة، وشبيهتان في اللفظ.

وقد حَمَل بعض النحويين على حذف "أن" قول الزبير -رضي اللَّه عنه-:

فَلَوْلَا بَنُوهَا حَوْلَهَا لَخَطَبْتُهَا

ومما حُذف فيه "أَنْ"، واكتُفي بصلتها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} الآية [الروم: ٢٤]، والأصل أن يريكم؛ لأن الموضع موضع مبتدأ وخَبَرُهُ {مِنْ آيَاتِهِ}.

ومثله قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحلّ لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر تُحِدّ على ميّت فوق ثلاث"، متّفق عليه.


(١) في نسخة "الطرح": "أن تزني"، وفي "اللسان": "لم تُرنِّي"، ولعله الصواب، ومعناه: لم تصيحي بالبكاء.
(٢) أي: شدّ وأحكم.