للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومن طريق أبي الزناد، عن الأعرج، وطريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، كلاهما عن أبي هريرة بلفظ "بايد"، واختلفت النسخ في ضبطه، ففي بعضها مفتوح الآخر، مثل "بيد"، إلَّا أنه زاد ألفًا بعد الباء، فكسر لذلك الياء لالتقاء الساكنين، وفي بعضها "بأيد"؛ ومعناه: بقوّة، كما حكاه القاضي عن بعض رواة مسلم، والأولُ هو الذي ذكره في "النهاية"، فقال: وجاء في بعض الروايات "بايد أنهم"، ولم أره في اللغة بهذا المعنى، ثم قال: وقال بعضهم: إنها "بأيد" أي: بقوّة.

ورواه البيهقيّ في "سننه" من غير وجه عن ابن عُيينة، عن أبي الزناد "بايد"، وهو مضبوط في الأصل بفتح آخره، والشافعي لما رواه كذلك من طريق أبي الزناد رواه عن ابن عُيينة، عنه. انتهى كلام ولي الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقوله: (أُوتِيَتِ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا) أي: أعطيته، واللام للجنس، والمراد التوراة والإنجيل، والضمير في قوله: "وأوتيناه" للقرآن، وقال القرطبيّ: المراد بـ "الكتاب" التوراة، وفيه نظر؛ لقوله: "وأوتيناه من بعدهم"، فأعاد الضمير على الكتاب، فلو كان المراد التوراة لما صحّ الإخبار؛ لأنا إنما أوتينا القرآن، قاله في "الفتح".

(وَأُوتِينَاهُ) أي: الكتاب، والمراد القرآن (مِنْ بَعْدِهِمْ) أي: من بعد انقضاء زمن كلّ الأمم السابقة.

(ثمَّ) هي لترتيب الإخبار، ويَحْتَمِل أن تكون لترتيب المخبَر به، والمراد: أنهم أوتوا الكتاب، ثم فُرِضَ عليهم هذا اليوم (٢). (هَذَا الْيَوْمُ) المراد باليوم يوم الجمعة، وأُشير إليه بـ "هذا" لكونه ذُكر في أول الكلام، كما هو في الرواية التالية عن أبي هريرة، وحذيفة -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أضلّ اللَّه عن الجمعة من كان قبلنا. . . " الحديث.

(الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا) أي: فرض اللَّه تعالى علينا أيتها الأمة المحمّدية تعظيمه، وفي الرواية التالية: "وهذا يومهم الذي فُرض عليهم، فاختلفوا فيه" (هَدَانَا اللَّهُ لَهُ) أي: بالثبات عليه حين شَرَعَ لنا العبادة فيه.


(١) "طرح التثريب" ٣/ ١٣١ - ١٥٤.
(٢) "فتح الباري" لابن رجب ٨/ ٧١.