للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": قوله: "فهدانا اللَّه له": يَحْتَمِل أن يُراد بأن نصّ لنا عليه، وأن يراد الهداية إليه بالاجتهاد، ويشهد للثاني ما رواه عبد الرزّاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين، قال: جَمَّعَ أهلُ المدينة قبل أن يقدمها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقبل أن تنزل الجمعة، فقالت الأنصار: إن لليهود يومًا يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى كذلك، فهلُمّ، فلنجعل يومًا نجتمع فيه، فنذكر اللَّه تعالى، ونصلي، ونشكره، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زُرارة، فصلى بهم يومئذ، وأنزل اللَّه تعالى بعد ذلك: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الآية [الجمعة: ٩]، وهذا، وإن كان مرسلًا، فله شاهد بإسناد حسن، أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة، وغير واحد من حديث كعب بن مالك، قال: "كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مَقدَم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة أسعد بن زُرَارة. . . " الحديث.

فمرسل ابن سيرين يدلّ على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد.

ولا يمنع ذلك أن يكون النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- علمه بالوحي، وهو بمكة، فلم يتمكن من إقامتها ثَمَّ، فقد ورد فيه حديث عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عند الدارقطني، ولذلك جَمَّعَ بهم أولَ ما قدم المدينة، كما حكاه ابن إسحاق وغيره، وعلى هذا، فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق.

وقيل في الحكمة في اختيارهم الجمعة: وقوع خلق آدم فيه، والإنسان إنما خُلق للعبادة، فناسب أن يَشتغل بالعبادة فيه، ولأن اللَّه تعالى أكمل فيه الموجودات، وأوجد فيه الإنسان الذي يَنتفع بها، فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه. انتهى (١).

(فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ) -بفتح التاء المثناة، والباء الموحّدة- جمع تابع؛ كالخَدَم جمع خادم.

قال الحافظ ولي الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الظاهر أن معناه: إنا أول من هداه اللَّه للجمعة، وأقام أمرها، وعظّم حرمتها، فمن فعل ذلك، فهو تَبَعٌ لنا.


(١) "الفتح" ٢/ ٤١٤.