للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠]، وفي حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنتم موفّون سبعين أمةً، أنتم خيرها، وأكرمها على اللَّه -عزَّ وجلَّ-"، حديث حسنٌ، رواه أحمد، والترمذيّ، وغيرهما.

وقوله: (فَاخْتَلَفُوا. . . إلخ) هكذا في هذه الرواية بذكر "اختلفوا" مرّتين، فيحتَمِل أن يكون هذا لبيان مطلق اختلافهم على أنبيائهم، و"اختلفوا" الثاني لبيان اختلافهم في يوم الجمعة، ويَحْتَمِل أن يكون الثاني تفصيلًا لما أُجمل في الأولى، واللَّه تعالى أعلم.

وقوله: (فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الظاهر أنه فُرِض عليهم تعظيم يوم في الجمعة (١) بغير تعيين، ووُكِل إلى اجتهادهم لإقامة شرائعهم فيه، فاختَلَف اجتهادهم في تعيينه، ولم يَهْدِهم اللَّه له، وفرضه على هذه الأمة مُبَيَّنًا، ولم يَكِله إلى اجتهادهم، ففازوا بتفضيله، قال: وقد جاء أن موسى -عليه السلام- أمرهم بالجمعة، وأعلمهم بفضلها، فناظروه أن السبت أفضل، فقيل له: دَعْهُم، قال القاضي: ولو كان منصوصًا لم يصح اختلافهم فيه، بل كان يقول: خالفوا فيه.

وتعقّبه النوويّ، فقال: يمكن أن يكون أُمروا به صريحًا، ونُصّ على عينه، فاختلفوا فيه، هل يلزم تعيينه، أم لهم إبداله؟ وأبدلوه، وغَلِطُوا في إبداله. انتهى (٢).

وقوله: (هَدَانَا اللَّهُ لَهُ) قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا مما حازت به الأمة السبق مع تأخر زمانهم، فإن اليهود والنصارى لَمّا فُرِض عليهم تعظيم الجمعة، والعبادة فيه للَّه، واتخاذه عيدًا للاجتماع فيه لذكر اللَّه فيه، ضلوا عنه، فاختارت اليهود السبت؛ لأنه يوم فرغ فيهِ الخلق، واختارت النصارى الأحد؛ لأنه يوم بدئ فيه الخلق، فهدانا اللَّه للجمعة، فصار عيدنا أسبق من عيدهم، وصاروا لنا في عيدنا تبعًا، فمنهم من عيده الغد من يوم الجمعة، ومنهم من عيده بعد غدٍ.


(١) أي: في أيام الأسبوع.
(٢) "شرح النووي" ٦/ ١٤٣ - ١٤٤.