شرح الموطأ" (١/ ١٥) وإليه مال الشوكانيّ، وبه قالت المالكية، وهو وجه للشافعية، والأول ظاهرُ كلام الشافعيّ، وصححه النوويّ، والرافعيّ، وغيرهما، والثاني أيضًا وجه للشافعية، واختار الثالثَ ابنُ رُشد في "بداية المجتهد"، وقد تقدّم تمام البحث فيه قريبًا، وباللَّه تعالى التوفيق.
(يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ، فَالْأَوَّلَ) وفي رواية النسائيّ: "فَكَتَبُوا مَنْ جَاءَ إلَى الْجُمُعَة"، وفي رواية له: "يكتبون الناس على منازلهم، الأول، فالأول".
قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "الأول فالأول" أي: الداخل الأول، والفاء فيه، و"ثُمّ" في قوله: "ثمّ كالذي يُهدي بقرةً" كلتاهما لترتيب النزول من الأعلى إلى الأدنى، ولكن في الثانية تراخٍ، ليست في الأولى، وفيه إشكالٌ؛ لأن الثانية مسبَّبةٌ عن الأولى، والجواب أن الفاء آنت بالتعاقب الذي ينتهي إلى أعداد كثيرة، وليس كذلك "ثُمّ"، ومن ثَمَّ جيء بها متعدّدةً. انتهى (١).
(فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ) وفي رواية البخاريّ: "فَإذَا خَرَجَ الإِمَامُ"، ولا تنافي بين الروايتين؛ لأنه يُحمَل على أنهم بخروج الإمام يحضرون إلى المنبر من غير طيّ، فإذا جلس الإمام على المنبر طووا الصحف، أو يقال: ابتداء طيّهم الصحف عند ابتداء خروج الإمام، وانتهاؤه بجلوسه على المنبر، وهو أول سماعهم الذكر، واللَّه تعالى أعلم.
والمراد بخروج الإمام خروجه من مكانه؛ ليصعد المنبر، أو المراد بالخروج ظهوره بصعوده المنبر، وجلوسه عليه، واللَّه تعالى أعلم.
(طَوَوُا الصُّحُفَ) أي: طوت الملائكة الصحف التي كانوا يكتبون فيها درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة، وفي حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- بيان صفة تلك الصحف، بأنها صحف من نور، وأقلام من نور.
والمراد من طيّ الصحف طيّ صحف الفضائل المتعلّقة بالمبادرة إلى الجمعة، دون غيرها من سماع الخطبة، وإدراك الصلاة، والذكر، والدعاء، والخشوع، ونحو ذلك، فإنه يكتبه الحافظان قطعًا.
ووقع في آخر الحديث عند ابن ماجه: "فمن جاء بعد ذلك، فإنما يجيء