(وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ) -بضم الميم، وتشديد الجيم- اسم فاعل، من التهجير، قيل: المراد به المبادرة إلى الجمعة بعد الصبح، وقيل: المراد الذي يأتي في الهاجرة؛ أي: عند شدّة الحرّ، قُربَ نصف النهار، فيكون دليلًا للمالكية في قولهم: إن الساعات من حين الزوال، وإن الذهاب إلى الجمعة بعد الزوال، لا قبله؛ لأن التهجير هو السير في الهاجرة؛ أي: نصف النهار.
قال الحافظ: وأجيب بأن المراد بالتهجير هنا التبكير، كما تقدّم نقله عن الخليل في "المواقيت".
وقال القرطبيّ: الحقّ أن التهجير هنا من الهاجرة، وهو السير في وقت الحَرّ، وهو صالح لما قبل الزوال وبعده، فلا حُجّة فيه لمالك.
وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الواو في قوله: "ومَثَلُ المهجّر" عَطَفَت الجملة على الجملة الأولى، وفوّضت الترتيب إلى الذهن؛ لأنها وقعت موقع الفاء التفصيليّة، والواو هنا أوقع من الفاء؛ لأنها توهم العطف على الأول والثاني، والحال أنه عطف على "يكتبون".
وقال التوربشتيّ: مَنْ ذهب في معناه إلى التبكير، فإنه أصاب، وسلك طريقًا حسنًا من طريق الاتساع، وذلك أنه جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار، ويأخذ الحرّ في الازدياد من الهاجرة، تغليبًا، بخلاف ما بعد الزوال، فإن الحرّ يأخذ في الانحطاط، وهذا كما يُسمّى النصف الأوّل من النهار غَدْوةً، والآخر عَشيّةً. انتهى (١).
وقال ابن منظور -بعد أن أورد حديث الباب، وحديث: "لو يَعلمُ الناسُ ما في التهجير لاستبقوا إليه"- ما نصه: قال الأزهريّ: يذهب كثير من الناس إلى أن التهجير في هذه الأحاديث من الْمُهاجَرَة وقتَ الزوال، قال: وهو غلَطٌ، والصواب فيه ما روى أبو داود المصاحفيّ، عن النضر بن شُمَيل، أنه قال: