التهجير إلى الجمعة وغيرها التبكير والمبادرة إلى كلّ شيء، قال: وسمعت الخليل يقول ذلك، قاله في تفسير هذا الحديث، قال الأزهريّ: وهذا صحيح، وهي لغة أهل الحجاز، ومن جاورهم من قيس، قال لبيد:
رَاحَ الْقَطِينُ بِهَجْرٍ بَعْدَ مَا ابْتَكَرُوا
فقرن الْهَجْر بالابتكار، والرواح عندهم: الذهاب والمضيّ، يقال: راح القوم؛ أي: خَفُّوا، ومَرُّوا، أيّ وقت كان، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو يَعلمُ الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه"، أراد التبكير إلى الصلوات، وهو المضيّ إليها في أول أوقاتها. قال الأزهري: وسائر العرب يقولون: هَجَّرَ الرجلُ: إذا خرج بالهاجرة، وهي نصف النهار، ويقال: أتيته بالْهَجِير، وبالهَجْر.
وأنشد الأزهريّ عن ابن الأعرابيّ في "نوادره"، قول الشاعر:
يُهَجِّرُونَ بِهَجِيرِ الْفَجْرِ
قال الأزهري: أي: يبكّرون بوقت الفجر. انتهى ما ذكره ابن منظور باختصار (١).
(كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ) وفي بعض النسخ: "يُهدي بدنةً"، وفي رواية النسائيّ:"كَالْمُهْدي بدنةً"؛ أي: كالشخص الذي يُهدي بدنةً، من أهدى الرباعيّ، يقال: أهديت للرجل كذا بالألف: بَعَثْتُ به إليه إكرامًا، فهو هديّة بالتثقيل، لا غير، وأهديت الهَدْيَ إلى الحرم: سُقْتُهُ، والجارّ والمجرور خبر قوله:"مثلُ المهجّر".
و"البَدَنَةُ" بفتحتين: جمعها بَدَنات، مثل قَصَبَة وقَصَبَات، وبُدُن أيضًا بضمتين، وتسكن داله تخفيفًا.
والمعنى: أنه كالمتصدّق بها متقرّبًا إلى اللَّه تعالى، وقيل: المراد أن للمبادر في أول ساعة نظيرُ ما لصاحب البدنة من الثواب، ممن شُرع له القربانُ؛ لأن القربان لم يُشرَع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للأمم السالفة، وقد تقدّم البحث في هذا مستوفًى في شرح حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- الماضي برقم [١٩٦٤](٨٥٠).