للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على كل محبوب بالقلب، وسائر الجوارح، حتى لا يكون في الناصح فضلٌ عن غيره؛ لأن الناصح إذا اجتهد لم يؤثر نفسه عليه، وقام بكل ما كان في القيام به سروره ومحبته، فكذلك الناصح لربه، ومن تنفل لله بدون الاجتهاد فهو ناصح على قدر عمله، غير مستحق للنصح بكماله. انتهى (١).

(وَلكِتَابِهِ) معنى النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى الإيمان بأنه كلام الله تعالى، وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه، وتلاوته حَقَّ تلاوته، وتحسينها، والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة، والذّبُّ عنه لتأويل الْمُحَرِّفين، وتعرُّض الطاعنين، والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهُّم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه، والدعاء إليه، وإلى ما ذكرناه من نصيحته (٢).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وأما النصيحة لكتابه: فشدةُ حبه، وتعظيم قدره؛ إذ هو كلام الخالق، وشدة الرغبة في فهمه، وشدة العناية في تدبّره، والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه، ويقوم به له بعدما يفهمه، وكذلك الناصح من العباد يَفهم وصيّةَ مَن ينصحه، وإن ورد عليه كتاب منه عُنِي بفهمه؛ ليقوم عليه بما كَتَب فيه إليه، فكذلك الناصح لكتاب ربه، يُعْنَى بفهمه؛ ليقوم لله بما أمره به كما يحب ربنا وَيرضَى، ثم يَنشُر ما فَهِم في العباد، ويُديم دراسته بالمحبة له، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه. انتهى (٣).

(وَلِرَسُولِهِ) معنى النصيحة له - صلى الله عليه وسلم - تصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونُصرته حيًّا وميتًا، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقّه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبَثُّ دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها، واستثارة علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها، والتلَطُّف في تعلمها وتعليمها، وإعظامها وإجلالها، والتأدّب


(١) "جامع العلوم والحكم" ٢/ ٢٢٠ - ٢٢١.
(٢) "شرح مسلم للنوويّ" ٢/ ٣٨ - ٣٩.
(٣) "جامع العلوم والحكم" ٢/ ٢٢١.