للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ) أي: الموضع الذي تقام فيه صلاة الجمعة، كما يدلّ عليه قوله: (فَصَلَّى) أي: من مطلق النوافل (مَا قُدِّرَ لَهُ) بتشديد الدال، مبنيًّا للمفعول، وفيه دليلٌ على مشروعيّة الصلاة قبل الجمعة، وأنه لا حدّ لها، وليس لها سنّة قبلية بعدد معيّن، كما يزعمه بعض الناس، وسيأتي تمام البحث في هذا في آخر أبواب الجمعة، عند شرح حديث: "إذا صلّيتم بعد الجمعة، فصلّوا أربعًا" -إن شاء اللَّه تعالى- (ثُمَّ أَنْصَتَ) أي: سكت مستمعًا، يقال: أنصت الرجل للقارئ: إذا استمع له، يتعدّى بالحرف، وقد يُحذف الحرف، فيقال: أنصت القارئ، ويقال أيضًا: نصت له ثلاثيًّا، من باب ضرب (١).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثم أنصت"، هكذا هو في أكثر النسخ المحقَّقة المعتمدة ببلادنا، وكذا نقله القاضي عياض عن الجمهور، ووقع في بعض الأصول المعتمدة ببلادنا: "انتصت"، وكذا نقله القاضي عن الباجيّ، وآخرون: "انتصت" بزيادة تاء مثناة فوقُ، قال: وهو وَهَمٌ.

قال النوويّ: قلت: ليس هو وَهَمًا، بل هي لغة صحيحة، قال الأزهريّ في "شرح ألفاظ المختصر": يقال: أنصت، ونَصَتَ، وانتصت، ثلاث لغات. انتهى (٢).

(حَتَّى يَفْرُغَ) بضمّ الراء، ويجوز فتحها، يقال: فَرَغ من الشّغْل فُرُوغًا، من باب قَعَدَ، وفرغَ يَفْرَغُ، من باب تَعِبَ لغة لبني تميم، والاسم الفَرَاغ، قاله في "المصباح" (٣). (مِنْ خُطْبَتِهِ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هكذا هو في الأصول من غير ذكر الإمام، وعاد الضمير إليه؛ للعلم به، وإن لم يكن مذكورًا. انتهى (٤). (ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ) بالرفع عطفًا على "ثم أنصت" (غُفِرَ لَهُ) بالبناء للمفعول (مَا بَيْنَهُ) أي: ذنوب ما بينه (وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى) أي: الماضية، لا المستقبلة؛ لما رواه النسائيّ من حديث سلمان -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "ما من رجل يتطهّر يوم الجمعة. . . " الحديث، وفيه: "إلا كان كفّارةً لما قبله من الجمعة"، وفي رواية


(١) راجع: "المصباح المنير" ٢/ ٦٠٧.
(٢) "شرح النوويّ" ٦/ ١٤٦ - ١٤٧.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٤٧٠.
(٤) "شرح النووي" ٦/ ١٤٧.