للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَعَامَّتِهِمْ") معنى النصيحة لهم، وهم مَن عدا وُلاة الأمر، فإرشادهم لمصالحهم، في آخرتهم ودنياهم، وكَفُّ الأذى عنهم، فيُعلمهم ما يجهلونه من دينهم، ويُعينهم عليه بالقول والفعل، وسترُ عوراتهم، وسَدُّ خَلَّاتهم، ودفعُ المضارّ عنهم، وجلبُ المنافع لهم، وأمرُهم بالمعروف، ونهيُهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقةُ عليهم، وتوقيرُ صغيرهم، وتخوُّلهم بالموعظة الحسنة، وتركُ غَشِّهم وحَسَدهم، وأن يُحِبّ لهم ما يجب لنفسه من الخير، ويَكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذّبُّ عن أموالهم وأعراضهم، وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل، وحثُّهم على التخلُّق بجميع ما ذكرناه، من أنواع النصيحة، وتنشيطُ هممهم إلى الطاعات، وقد كان في السلف - رضي الله عنه - مَن تبلغ به النصيحة إلى الإضرار بدنياه (١).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وأما النصيحة للمسلمين: فأن يحبَّ لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويُشفِق عليهم، ويَرْحَم صغيرهم، ويُوقِّر كبيرهم، ويَحْزَن لِحُزْنهم، ويَفْرَح لِفَرَحهم، وإن ضرّه ذلك في دنياه، كرُخَص أسعارهم، وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع في تجارته، وكذلك جميع ما يَضُرُّهم عامة، ويحب صلاحهم، وأُلفتهم، ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم.

ومن أنواع نصحهم دفع الأذى والمكروه عنهم، وإيثار فقيرهم، وتعليمُ جاهلهم، وردُّ من زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل بالتلطف في ردهم إلى الحق، والرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحبة إزالة فسادهم، ولو بحصول ضرر له في دنياه، كما قال بعض السلف: وَدِدتُ أن هذا الخلق أطاعوا الله، وأن لحمي قُرِض بالمقاريض، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: يا ليتني عَمِلتُ فيكم بكتاب الله، وعملتم به، فكلما عَمِلتُ بسنّة وقع منِّي عضو، حتى يكون آخر شيء منها خروج نفسي. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) راجع: "شرح النوويّ" على هذا الكتاب ٢/ ٣٧ - ٣٩.
(٢) "جامع العلوم والحكم" ١/ ٢٢٣.