كان يخطب جالسًا، فقد كذب"، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفي هذه الرواية دليل لمذهب الشافعيّ والأكثرين أن خطبة الجمعة لا تصحّ من القادر على القيام إلا قائمًا في الخطبتين، ولا يصحّ حتى يجلس بينهما، وأن الجمعة لا تصحّ إلا بخطبتين.
وقال القاضي عياضٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ذهب عامّة العلماء إلى اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة، وعن الحسن البصريّ، وأهل الظاهر، ورواية ابن الماجشون عن مالك، أنها تصحّ بلا خطبة.
وحَكَى ابن عبد البرّ إجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون إلا قائمًا لمن أطاقه.
وقال أبو حنيفة: تصح قاعدًا، وليس القيام بواجب، وقال مالك: هو واجب لو تركه أساء، وصحَّت الجمعة.
وقال أبو حنيفة، ومالك، والجمهور: الجلوس بين الخطبتين سنة ليس بواجب، ولا شرط، ومذهب الشافعيّ أنه فرض، وشرطٌ لصحة الخطبة، قال الطحاويّ: لم يقل هذا غير الشافعيّ، ودليل الشافعيّ أنه ثبت هذا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَلُّوا كما رأيتموني أصلي". انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد عرفت في المسائل الماضية في شرح الحديث الماضي أن الأرجح مذهب من قال بعدم فرضيّة الخطبة، وأن القيام فيها ليس بواجب؛ لقوّة حجته، فلتُراجع التفاصيل حتى تكون على بصيرة، واللَّه تعالى وليّ التوفيق.
(يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ) بتشديد الكاف، من التذكير، وهو الوعظ، وفيه دليلٌ لمشروعيّة قراءة آيات من القرآن في الخطبة، وتذكير الناس، ولا خلاف في الاستحباب، وإنما الخلاف في الوجوب، فذهب الشافعيّ إلى وجوب ذلك، وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب، وهو الراجح؛ لعدم دليل للوجوب، سوى مجرّد الفعل، وهو لا يكفي في ذلك، كما تقدّم قريبًا.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليل للشافعيّ في أنه يُشْتَرط في الخطبة الوعظُ