للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَأُنْزِلَتْ هَذه الآية الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ) هذا ظاهرٌ في أنها نزلت بسبب قدوم العِير المذكورة، والمراد باللهو على هذا ما يَنشأ من رؤية القادمين، وما معهم.

ووقع عند الشافعيّ من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، مرسلًا: "كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة، وكانت لهم سوق، كانت بنو سُليم يَجْلُبون (١) إليها الخيل، والإبل، والسَّمن، فقَدِموا، فخرج إليهم الناس، وتركوه، وكان لهم لهو يضربونه، فنزلت"، ووصله أبو عوانة في "صحيحه"، والطبريّ بذكر جابر فيه: "أنهم كانوا إذا نَكَحُوا تضرب الجواري بالمزامير، فيشتدّ الناس إليهم، ويَدَعُون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا"، فنزلت هذه الآية.

وفي مرسل مجاهد، عند عبد بن حميد: "كان رجال يقومون إلى نواضحهم، وإلى السفر يقدمون، يبتغون التجارة واللهو، فنزلت".

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولا بُعْدَ في أن تنزل في الأمرين معًا، وأكثر.

({وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}) أي: إلى التجارة، والانفضاض: هو التفرّق، يقال: فَضضت القوم، فانفضّوا: فرّقتهم، فتفرّقوا، قاله في "العمدة" (٢).

قال في "الفتح": والنكتة في قوله: "انفضوا إليها" دون قوله: إليهما، أو إليه، أن اللهو لم يكن مقصودًا لذاته، وإنما كان تبعًا للتجارة، أو حُذِف لدلالة أحدهما على الآخر.

وقال الزجاج: أُعيد الضمير إلى المعنى؛ أي: انفضوا إلى الرؤية؛ أي: ليروا ما سمعوه. انتهى (٣).

وقال في "العمدة": قال الزمخشريّ: كيف قال: "إليها"، وقد ذكر شيئين؟.

قلت: تقديره: إذا رأوا تجارة انفضوا إليها، أو لهوًا نفضوا إليه، فحُذف أحدهما لدلالة المذكور عليه، وكذلك قراءة من قرأ: "انفضوا إليه"، وقراءة من قرأ: "لهوًا، أو تجارة انفضوا إليها"، وقُرئ: "إليهما". انتهى.


(١) من بابي ضرب، وقتل. "المصباح".
(٢) "عمدة القاري" ٦/ ٣٥٨.
(٣) "الفتح" ٣/ ٢٣٢ - ٢٣٣.