العدد المعتبر في الابتداء يُعتبر في الدوام، فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على الاثني عشر دَلّ على أنه كافٍ.
وتُعُقِّب بأنه يَحْتَمِل أنه تمادى حتى عادُوا، أو عاد من تُجزئ بهم؛ إذ لم يَرِد في الخبر أنه أتم الصلاة، ويَحْتَمِل أيضًا أن يكون أتمها ظهرًا، وأيضًا فقد فرّق كثير من العلماء بين الابتداء والدوام في هذا، فقيل: إذا انعقدت لم يضرّ ما طرأ بعد ذلك، ولو بقي الإمام وحده، وقيل: يُشترط بقاء واحد معه، وقيل: اثنين، وقيل: يفرق بين ما إذا انفضّوا بعد تمام الركعة الأولى فلا يضر، بخلاف ما قبل ذلك، وإلى ظاهر هذا الحديث صار إسحاق ابن راهويه، فقال: إذا تفرقوا بعد الانعقاد، فيشترط بقاء اثني عشر رجلًا.
وتُعُقِّب بأنها واقعة عين لا عموم فيها، قال الحافظ: ظاهر ترجمة البخاريّ تقتضي أن لا يتقيد الجمع الذي يبقى مع الإمام بعدد معين.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: تقدّم أن القول الراجح في عدد من تنعقد بهم ليس له حدّ محدود، فراجع المسألة السادسة من المسائل المذكورة في أول "كتاب الجمعة"، وخلاصته أن الجمعة تنعقد باثنين، فما فوق؛ لحديث طارق بن شهاب مرفوعًا:"الجمعة حقّ واجب على كل مسلم في جماعة. . . " الحديث، وهو حديث صحيح، وقد أجمعوا على أن أقل الجماعة في سائر الصلوات اثنان، فوجب كون أقل عدد الجماعة في الجمعة اثنين أيضًا؛ إذ لا فرق بينها وبين غيرها من الصلوات في هذا، واللَّه تعالى أعلم.
قال: وتقدم ترجيح كون الانفضاض وقع في الخطبة، لا في الصلاة، وهو اللائق بالصحابة؛ تحسينًا للظن بهم، وعلى تقدير أن يكون في الصلاة حُمِل على أن ذلك وقع قبل النهي، كآية {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}، وقبل النهي عن الفعل الكثير في الصلاة.
وقال أيضًا: إن الجميع لو انفضّوا في الركعة الأولى، ولم يبق إلا الإمام وحده أنه لا تصحّ له الجمعة عند الجمهور، وقيل: تصح إن بقي واحد، وقيل: إن بقي اثنان، وقيل: ثلاثة، وقيل: إن كان صلى بهم الركعة الأولى صحَّت لمن بقي، وقيل يتمها ظهرًا مطلقًا، قال: وهذا الخلاف كله أقوال مخرَّجة في مذهب الشافعي إلا الأخير، فهو قوله في الجديد.